بقلم : أمينة خيري
شوارع لندن الضيقة تثير تعجبى وإعجابى دائمًا. باستثناء الطرق السريعة الواسعة، فإن الغالبية المطلقة من شوارع لندن تتسم بالضيق. صحيح أن سكانها يشكون الازدحام المرورى في أوقات الذروة، إلا أن مَن ذاق ازدحام القاهرة المرورى يعتبر قرينه اللندنى ترفًا ورفاهية. تفتخر لندن بأضيق شوارعها، وتضعه ضمن الأدلة السياحية.
وبريطانيا بشكل عام، ولندن بشكل خاص، تشتهر بسياحة الغرائب والعجائب: من متحف للهلع، إلى قسم شرطة متناهى الصغر، إلى كوبرى تخيلى يبدو للرائى أنه موجود لكن لا وجود له. أما شارع، أو بالأحرى ممر «كروفورد» في منطقة «كليركنويل» فهو عجب العجاب. هذا الشارع يكاد لا يتسع لمرور دراجة، إلا أنه كغيره لا يخلو من خطوط صفراء لزوم التنظيم. وأصغر مسافة بين الخطين الأصفرين خمسة سنتيمترات!. ألف وأدور بالقارئ في مسألة شوارع لندن الضيقة لأُشركه معى في هذا الاختراع العجيب الغريب المسمى «تنظيم المرور» والتطبيق الصارم لكل ما يتعلق بالقيادة والسيارات والمارة وسلامة الجميع من قوانين وقواعد ومخالفات. الشارع حارتان واتجاهان.
قَلّما يتذاكى أحدهم ويتصرف باعتباره «الفِتِك» الأوحد و«البُرَم» الأكبر فيجتاز سيارة أمامه ليعبر الطريق المعاكس، وإن فعل فالشرطة بالمرصاد، وإن لم يتم إيقافه في التو واللحظة، فإن المخالفة ستأتى له حتى باب بيته، وربما تُضاف إليها توليفة من العقوبات التي يصل بعضها إلى درجة السجن. كيف تتدبر لندن إذن أمورها في ظل شوارعها الضيقة، التي شُيد أغلبها بهذا الشكل منذ مئات السنين، ولم يتم تغييرها وتحديثها إلا فيما ندر؟!. كثيرًا ما يشعر الزائر غير المعتاد على التواجد في هذه الشوارع الضيقة بأن الباص القادم من الجهة الأخرى سيصطدم حتمًا بسيارته القادمة على الجانب الآخر لفرط ضيق الشارع، لكن لحسن الحظ أن هذا لا يحدث. جانب آخر من جوانب شوارع لندن الضيقة يتم علاجه بتشجيع دائم للسكان والزوار على استخدام شبكة المواصلات العامة الممتازة والكفء التي تغطى كل ركن من أركان لندن، إن لم يكن بمترو الأنفاق، فبالباص أو القطار.
ليس هذا فقط، بل تفرض لندن رسوم مرور باهظة على السيارات التي تمر بوسط لندن، مع توافر وكفاءة المواصلات العامة، وذلك على سبيل تخفيف الضغط عن الشوارع الضيقة. لكنى أعود وأتأمل في شؤون هذا الشىء الغريب المسمى التنظيم الصارم والكفء للمرور، فلا ابن حسين بيه قرر أن يقود سيارته على سرعة 160 كم/ الساعة في طريق سرعته القصوى 120 كم/ الساعة، ولا مدام فوقية قررت أن توقف سيارتها أمام البنك صفًّا رابعًا لإتمام معاملة، بعد الاتفاق مع «الأمين»، إلى آخر منظومة خرق القواعد، والتى تنجم عنها فوضى الشوارع دون معاقبة. هذا مع العلم أن ابن حسين بيه ومدام فوقية حين يذهبان إلى بريطانيا يلتزمان بالقواعد الصارمة بكل دقة. وإن لم يفعلا، فسيُسددان الغرامات بكل ممنونية!.