بقلم:أمينة خيري
فى المقال السابق تطرقت إلى منظومة التربية والتعليم، وكيف أنها وثيقة الصلة بطرفى نقيض: السيولة السلوكية والفكرية التى نعيشها من جهة، وشعار «عيش حرية عدالة اجتماعية» الذى دغدغ مشاعر الملايين قبل سنوات. وأشرت إلى حلم إصلاح الفكرة التى يقوم عليها التعليم، ونقلها من الحفظ والتلقين والحشو وتناقل السرديات، إلى تطوير المهارات العملية وتعليم الطالب كيف يفكر على أسس المنطق والنقد، وليس فيمَ يفكر.
واليوم، أتحدث عن واحدة من إجهاضات مؤسفة متكررة لفكرة الإصلاح، وهو ما جرى حين ثارت قوى المقاومة ضد تغيير مسار فكر التعليم. تمثلت المقاومة الشعبية العتيدة والعنيفة فى «جروبات الماميز»، لكن لم تقتصر عليهن، بل شملت كذلك قطاعات.. أعتقد أنها عريضة، بين المعلمين ممن وجدوا فى التغيير تهديدًا لهم وما آلت إليه منظومة التعليم، أو ربما كانت المقاومة الطبيعية لأى تجديد، ولو كان تتر نشرة أخبار اعتاده المشاهدون على مدار عقود.
حدث هذا قبل نحو خمسة أعوام، وتكللت المقاومة- فى رأيى- بنجاح نسبى، إذ تم إجهاض الفكرة إلى حد كبير.
وبعيدًا عن مشكلات أو إخفاقات أو تسرع شاب عملية الإصلاح، ربما نحتاج أولًا للوصول إلى اتفاق إن كنا نبتغى إصلاحًا أم لا، ثم ننتقل إلى ماهية الإصلاح وما نعتبره عوارًا فى النظام القديم، سواء لأنه لا يؤهل لسوق عمل حقيقية، أو لأنه يخرج «إسطمبات» مستنسخة بلا مهارات سوى الطبيعية أو قدرات باستثناء القلة، وهكذا. ثم ننتقل إلى كيفية تطبيق الإصلاح، مع العلم أن كل إصلاح له ضحايا، ويستغرق وقتًا قبل أن يؤتى ثمارًا.
وأود فى هذا الصدد أن أتطرق إلى ملف شائك حارق لمن يقترب منه، وهو التعليم الدينى؛ بمعنى التعليم القائم على محتوى دينى. والسؤال هو: هل حقًا نريد، أو يحتاج المجتمع هذا الجيش الجرار من خريجى التعليم الدينى؟، (للعلم، تقدم هذا العام فقط نحو نصف مليون طفل للالتحاق برياض الأطفال الأزهرية).. ورجاء، وبلا عروق نافرة وأعصاب مستنفرة، هل حقًا خريجو التعليم الدينى يفوقون أقرانهم من التعليم المدنى فى الأخلاق والسلوكيات؟، أو حقًا هم أكثر قدرة على إعادة مصر إلى موقعها الريادى، ولو عربيًا، من حيث الثقافة والعلم والبحث والفن... إلخ؟.
وبالمرة سؤال إضافى: هل يمكن لجهة بحثية معتبرة فى مصر إجراء دراسة ميدانية عن قيمة التعليم ومكانته بين الأسر المصرية، لا سيما القابعة عند أو بالقرب من الهرم الاقتصادى والاجتماعى؟؛ أى هل يمكن قياس قيمة التعليم لدى الأسر الأكثر احتياجًا اقتصاديًا، والتى هى الأكثر إنجابًا أيضًا؟.
وأعود أدراجى إلى المعلم، وهو صاحب قول حاسم فى تحديد مصير أى عملية إصلاح عقيدة التعليم، وليس إصلاح سور المدرسة أو جلدة الكتاب.. بالإضافة إلى احتياجاته المؤكدة والمنطقية لراتب وتأمين صحى وظروف عمل معقولة، ما الذى يحتاجه المعلم ليكون قادرًا وراغبًا فى تحويل فكرة الإصلاح إلى خطوات فعلية؟.
.. وللحديث بقية.