بقلم:أمينة خيري
الأثر الذى يتركه مَن يسبقوننا يصنع الفرق كله. وفى خضم المعارك الهزلية التى نجد أنفسنا فيها، سواء كانت مفتعلة بغرض الترند أو مقصودة للإلهاء أو يخوضها أصحابها باعتبارها حربًا حقيقية- وهذه مصيبة- يرحل العظماء، تاركين وراءهم أثرًا لن يمحوه ملوك الظلام المؤقت.
شهدت الأيام القليلة الماضية رحيل عظيمين من النوعية التى تترك أثرًا للإنسانية. إنهما الكاتب والسيناريست والإنسان عاطف بشاى، والفنان الإنسان حلمى التونى، حيث صفة «إنسان» لا تتوافر بالضرورة فى كل هذه المليارات التى يعج بها الكوكب.
رحل الأستاذ عاطف بعد وعكة لم تستغرق وقتًا طويلًا، لكنها كانت عنيفة. فى المستشفى حيث كان يرقد عقب خضوعه لعملية جراحية، وقبل الانتكاسة التى أودت بحياته، زرت زوجته العزيزة السيدة مارى. كنت أعتقد أنه مازال فى العناية الفائقة، لكن أخبرنى موظف الاستقبال أنه خرج لتوه إلى غرفة عادية. فرحت، وتوجهت إلى الطابق الذى تقع فيه الغرفة لأقابل السيدة مارى لأطمئن عليهما دون أن أدخل غرفته خوفًا على مناعة مريض خرج لتوه من جراحة. أصرت أن أدخل لأسلم عليه، وقد كان. ورغم أنه كان مازال فى مرحلة التعافى الأولى، حدثنى عن مقالات «المصرى اليوم»، وأفكار التنوير، والثقافة، ومصر، والمجتمع، مُثْنِيًا على ما أكتب، وهو الكاتب الكبير صاحب الفكر المستنير.
رحل أستاذ عاطف، ويبقى أثره الممتد، ولن يبقى أثر بحور الظلمات مهما بدَت من قوة وهيمنة وسيطرة على عقول وقلوب الكثيرين. بذمتك عزيزى القارئ، هل يتساوى أثر مَن يسب باسم الدين ويربط جنس الذكور بطول أكمام المرأة، أو يمضى قدمًا فى الحديث عن حكم اختلاط النساء والرجال فى قاعات الأفراح فى عام ٢٠٢٤ وكأن الجنسين حيوانات هائجة طيلة الوقت، أو لا ينتفض غضبًا مع استمرار أسئلة النساء فى عهد الرئيسات والوزيرات والنساء المعيلات اللاتى ينفقن على الأزواج غير القادرين أو غير الراغبين فى العمل وحكم امتناعهن عن أزواجهن المدخنين أو منعهن من زيارة الأهل أو التفتيش فى موبايل الزوج وغيرها من أنواع الهراء الذى يُدخلنا عمدًا فى بالوعات تقف على طرف نقيض من تاريخ مصر ومكانة المصريين، مع أثر مَن أثرى عقول المصريين وفتح آفاق الانتقال نحو التنوير لغير المصريين بالأفكار والفنون والثقافة والتنوير؟.
قدر التنوير الذى يتركه الفنان العظيم حلمى التونى لا يمكن ولا تصح مقارنته بمَن أنزل ستائر الظلمات السوداء على العقول والقلوب والعيون. كل خط خطه أستاذ حلمى فى لوحة أو غلاف للكبار أو الصغار ينضح بوطنية حقيقية وثقة بالغة وإيمان عميق بقيمة الفن المصرى الأصيل. منذ عرفته عن طريق عمل مشترك لمجلة «العربى» فى لندن فى عام ١٩٩٠، وهو يمثل لى علامة فارقة فى مسيرة الإنسانية والفن، وذلك فى زمن تتعثر فيه المسيرة، ويهيمن عليها الظلام.
رحم الله أستاذ عاطف وأستاذ حلمى، وأدام أثرهما، فإنما الإنسان أثر.