بقلم - أمينة خيري
فى المشهد الحالى، المؤكد الوحيد أن ما يجرى غير مسبوق فى التاريخ.. حروب دموية عديدة وقعت، قتلى بالملايين فقدوا حياتهم، ومثلهم أصيب وتهدمت بيوتهم وتوقفت أرزاقهم، وصراعات جيوسياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية، وحتى اجتماعية هى سمة الكوكب منذ بدء الخليقة، لكن الخليقة لم ترَ حربًا ناعمة منبسطة مسطحة واضحة صريحة لا ترهق نفسها فى اللف والدوران، أو تهدر وقتًا فى اختيار المفردات المموهة والملتفة، أو تبذل جهدًا فى تجميل القبيح وتزيين الدميم وتنميق الشنيع، أو حتى تستعين بمسوق عقارى يهاتفك ليخبرك بأنه لا يريد إزعاجك أو تكديرك أو إقلاقك، لكنه فقط يريد أن يعرض عليك سكنًا رائعًا وأسلوب حياة ساحرًا، وبيئة معيشية فاتنة، وذلك قبل أن يخبرك بمقدم العشرة ملايين، وقسط الـ 80 ألف الشهرى، وقيمة الصيانة التى لا تزيد على 800 ألف.
ما يشهده الإقليم غير مسبوق فى مباشرته. كما أن ردود الفعل العالمية غير مسبوقة حيث عرت «ريفييرا غزة» الجميع. أقسى وأقصى عبارات الشجب والتنديد، حين تصدر عمن أمضى قرونًا يرفع راية حقوق الإنسان والحيوان والطيور والأسماك والأشجار، مشينة.
أما الأمم المتحدة ووكالاتها وصناديقها وبرامجها، فلا أظن أنها وجدت نفسها فى هذا الموقف المعقد، لا لصعوبته، ولكن لفجاجته، لدرجة أنها نفسها وُضِعت فى خانة «الإرهاب» وهو ما لم يحدث فى تاريخها.
سينتفض البعض غاضبًا مرتعدًا مرتجفًا مرتعشًا ممتعضًا سائلًا: وماذا عن الجيوش العربية؟ وماذا عن الموقف العربى الموحد؟ وغيرها من الأسئلة التى غالبًا لا تعنى سوى «لماذا لا تخوض مصر حربًا ضروسًا، وتضحى بالآلاف من أبنائها، وتوهب كل ما لديها من موارد مهما كانت شحيحة، وتتنازل عن كل ما حققته من خطوات بناء بعد سلسلة الحروب التى دفعت فيها الغالى والنفيس؟ والعجيب والغريب والمريب أن البعض ممن يتكتكون بهذه الأسئلة الاستنكارية على الكى بورد أو على هواتفهم المحمولة وهم جالسون فى المقاهى، هم أنفسهم من يطلبون وساطة «عمو حسين» وتدخل «خالى فتحى» لعلهما يدفعان فى طريق «عدم لياقته» حتى لا يتم تجنيده، وهو ما لا يحدث إلا لو كان غير لائق فعلًا، أو ليقوم بعمل إدارى أثناء التجنيد، وحبذا لو قريب من بيت ماما وبابا.
المرحلة الراهنة لا تحتمل هبات غضب حنجورية، أو تبادل لكمات لفظية. كما أنها ليست مناسبة لتحمل الصخب والصراخ، لا سيما حين يكونان محليين، بمعنى يصرخ فريق منا، ويصيح الفريق الآخر.
هى بالفعل لحظة اصطفاف وطنى حقيقى. وهنا أحيى كل من نحّى جانبًا معارضته لسياسات محلية، وأوقف ولو مؤقتًا السخرية اللاذعة فى الانتقاد، لا حبًا فى الصوت الواحد، أو ميلًا ولكن بلا معارضة، ولكن لأن فقه الأولويات يملى علينا الاصطفاف.
إنها فرصة ذهبية أخرى لإعادة فتح الأبواب والنوافذ أمام كل التيارات السياسية من أجل الوطن، باستثناء الإخوان والسلفيين المستمرين فى نخر الجذور.