بقلم - أمينة خيري
المفتاح هو الاقتصاد.. كان هكذا، وسيظل ما فى الجيب هو المتحكم، ليس فقط فى المزاج العام للشعوب، ولكن فى مصائرها. بمعنى آخر، لا صوت يعلو على صوت الاقتصاد.
والمواطن العادى فى أى دولة من دول العالم لديه مجسات بالغة الحساسية للوضع الاقتصادى. قد يخرج عليه وزراؤه ومسؤولوه ليؤكدوا له أن البلاد حققت نسب نمو غير مسبوقة، والناتج المحلى الإجمالى قفز قفزات تصل إلى درجة الإعجاز، وزيادة جبارة فى مستويات الإنتاج ومعدلات التصدير وغيرها، لكن لو لم ينعكس ذلك فعلًا على ما فى جيبه، فكل ما يقوله هؤلاء والعدم سواء. والعكس صحيح، قد لا يكون المسؤولون فى دولة ما كثيرى التصريح عن روعة الاقتصاد، لكن جيب المواطن يظل المؤشر الشعبى الحقيقى.
جيب المواطن المصرى فى حالة يرثى لها. هذه الحالة ليست ناجمة فقط عن شُح ما فيه، على اختلاف درجات الشح وتصنيفها، ولكن لأنه لا يدرى ما سيؤثر على هذا الجيب ومحتوياته، ليس غدًا أو بعد غد، ولكن بعد ساعة، وربما نصف ساعة. القلق كبير، ويكاد يفوق الغضب.
والحقيقة أن المواطن المصرى، الغالبية على الأقل، أثبتت أنها تتمتع بقدرة عظيمة على التكيف والتعايش. هذه الغالبية، باختلاف طبقاتها الاقتصادية، ما إن ترى ضوءًا، ولو خافتًا، فى نهاية النفق، أى نفق، حتى تكتسب قوة وعزيمة وإرادة وصبرًا وجلدًا.
وغياب الضوء يلقى بظلال وخيمة جدًا، لا على جيب المواطن، «فالفلوس بتروح وتيجي»، ولكن على قدرته على التكيف والصمود. وأضيف من الشعر بيتًا: حتى انطفاء هذا الضوء مؤقتًا بسبب تخفيف أحمال أو ما شابه لا يطفئ من عزيمته. لماذا؟ لأنه يعلم أنه بعد التخفيف والترشيد والتضييق، سيعاود الضوء سطوعه، أو على الأقل بزوغه.
ولا أبالغ إن قلت إن المواطن المصرى حاليًا لا يبحث عما يحشو به جيبه، بقدر ما يدقق وينقب وينبش بحثًا عما يهدئ به قلقه. وسأتهور وأقول إن جانبًا غير قليل من تصريحات البعض من المسؤولين، والتى يفترض إنها تقال من أجل الطمأنة، يؤدى إلى المزيد من القلق. لماذا؟.. لأن، كما أسلفت، المواطن العادى البسيط غير المتخصص فى الاقتصاد وغير الدارس أسواق المال وغير الخبير بمعدلات النمو لديه مجساته بالغة الحساسية.
ورغم أننا نميل عادة إلى الشكوى والتذمر من الأحوال بشكل عام، وذلك بعد أن نقول «الحمد لله رضا»، إلا أنه يلاحظ أن معدلات الشكوى ومحتوى التذمر مختلفان. عقود طويلة وسائق التاكسى - على سبيل المثال - يشكو ضيق ذات اليد وقلة ما فى الجيب وارتفاع الأسعار.
اليوم، يعرف أن الراكب يعانى مثله، وربما أكثر. وكلاهما ينتظر الضوء المرجو، لا بتصريحات لا يهضمها، ولكن برؤية - لا رؤيا - اقتصادية. كلاهما يعلم أن التحديات كبيرة، و«الكماشة» على مصر خطيرة، لكنه يعلم أيضًا أن العديد من الروشتات الوطنية المقترحة لم تُفعّل بعدْ.