بقلم - أمينة خيري
السطور التالية خواطر لا تمت للواقع بصلة بالضرورة. حكايات السلحفاة البطيئة التي سبقت الأرنب السريع، والنملة الصغيرة التي تفوقت على الفيل الكبير، والنسناس الذكى الذي ضحك على الأسد العنيد لا تحدث بالضرورة. والمقولات المأثورة المكتوبة لتطبيب القلوب الجريحة، حيث أقوى الأشجار تنمو بين شقوق الصخور، والشجاع لا يخشى المواجهة، بل يقفز فيها، ولو مغمض العينين، لا تضمن لنا بالضرورة الفوز والانتصار والبقاء على قيد الحياة. وحتى ما يُثار في موضة «التنمية البشرية» من أن الغِنَى يُولد من رحم الفقر، وأن الانكسار والضياع والبؤس تؤدى حتمًا إلى الانتصار والإنجاز والسعادة الأبدية وغيرها، في أغلبها مُسكِّنات تصل إلى درجة المخدرات عالية الفتك بجسم المريض. أستعير سطورًا مما ورد في مقال الكاتب الجزائرى أمين الزاوى عن أساطين التنمية البشرية (بتصرف).
كتب: «يدرك المشرفون على نوادى الدورات التدريبية لـ(التنمية البشرية) أن المواطن العربى والمغاربى، أمام هذا الانهيار في قيمة الإنسان، يعيش حالة (انتحار) دائمة، ولكنها مؤجلة إلى حين. لذا تراه، أي المواطن الضائع، يبحث عن الإمساك بأى قشة قد تنقذه من الطوفان، وهى الفرصة السانحة لمحترفى التنمية البشرية ليمارسوا عليه ضغطًا جديدًا من خلال فتح أفق من الكذب اللابس لبوسًا علميًّا تارة، ودينيًّا تارة أخرى، وسحريًّا تارة ثالثة. ويعتمد خطاب ميليشيات التنمية البشرية على ترسانة من المفاهيم الغامضة، والمقصودة في غموضها، كى يثير انتباه المواطن الضائع وإبهاره والإيحاء له بأن ما يتم قوله أو التصريح به هو من (باب العلم الكبير)، الذي لا علم للمواطن البسيط بمغاليقه، مفاهيم مغلوطة ومخلوطة توحى للمستمع ذى الثقافة البسيطة، الذي يعيش حالة نفسية مهزوزة، بأن ما يملأ به عقله هو عدة علمية قادرة على تطوير مهاراته». فرق كبير بين أن تشد من أزر أحدهم، أو تواسيه، أو تعرض المساعدة في وقت الضيق والأسى، وبين أن تبيع له الأوهام والخيالات والأساطير المغلفة بهالات غامضة تختلط فيها الأسطورة بالمعجزة بالوهم بالمخدرات القوية. وسواء تم بيع هذا الوهم بحسن نية تضامنًا مع المكروب والمنكوب، أو بسوئها بغرض التجارة أو تحقيق المصالح، فإن هذا المكروب المنكوب هو مَن يدفع الثمن غاليًا. ولو كنا نتحدث عن الأمانة والصراحة والاستقامة، ولمَن أراد أن يقول كلمة حق مهما بلغ الموقف من صعوبة، ومهما فرضت الأحداث والمصائب والطامات هالة من الحرج لتأجيل أو تسويف أو تعطيل مهمة تحليل حقيقة ما يجرى على أرض الواقع، فإن تقييم الانتصارات والانكسارات والحروب، وتحديد المسؤوليات بناء على الواقع لا ما يأمل البعض أن يكون واقعًا، يتطلب شجاعة توازى شجاعة حلبة الصراع. التحليل الصادق، وتحديد المسؤوليات بعيدًا عن التسييس أو التديين أو الادعاء أو المصالح، واجب. والسكوت عن الواجب والاحتكام إلى الأقوال المأثورة وقصص الأولين وكورسات التنمية البشرية جريمة حرب.