أتمنى أن نسارع بتحديد اسم لـ«العاصمة الإدارية». ولو كانت النية أن يكون اسمها «العاصمة الإدارية»، فليكن، ولكن فلنعلن ذلك على الملأ.. لماذا؟ لأن التصريح الرسمى أو الإعلان الحكومى من شأنه أن يقطع هبد الهابدين بيقين المعلومة الموثقة.
كثيرون احترفوا هواية الصيد فى المياه العكرة حتى أصبحت صنعة وحرفة ومصدر دخل وربح. وأكثرنا يعلم علم اليقين أن إجراءات تنصيب الرئيس السيسى، وهى الإجراءات التى كان محدداً لها هذا التاريخ، كانت ستفجر صخباً بشكل أو بآخر على أثير السوشيال ميديا.
فكيف يمكن أن يفوت البعض فرصة ذهبية كهذه دون أن يطرح رأياً باعتباره معلومة هنا، أو يعيد تدوير مواقف مسبقة لآخرين على أنها سر من أسرار الكون؟ ولو كانت فعاليات التنصيب جرت فى مقر البرلمان فى وسط القاهرة، أو جرت افتراضياً، أو جرت فى حديقة البرلمان أو فى قاعة فرعية وليست الرئيسية، فالهبد كان سيتوجه فى هذا الاتجاه.
بات الهبد واقعاً لا مهرب منه. وتحديد اسم لـ«العاصمة الإدارية» سيفيد الجميع، ولن يضر أحداً.
ولعل تنصيب الرئيس فى المقر الجديد للبرلمان مناسبة جيدة لتحديد الاسم والإعلان عنه.
فقد أصبح الجميع يشير إليها باعتبارها «العاصمة الإدارية»، وهو الاسم الذى أتصور أنه كان مؤقتاً وقت كانت فكرة، أو وصفاً أكثر منه مسمى. والإبقاء عليه أكثر من ذلك سيجعل التغيير أمراً صعباً.
من جهة أخرى، أعتقد أنه مع تواتر المواطنين على «العاصمة الإدارية» لإنجاز الأعمال وقضاء المعاملات وحتى للعمل، من شأنه أن يهدم حاجز الرهبة ويتغلب على العائق النفسى المرتبطين بتغيير المكان المعتاد.
وبهذه المناسبة، «العزال» أو الانتقال من بيت إلى آخر مصنف من قبل خبراء علم النفس باعتباره مسبباً للقلق ومصدراً لاختلاط المشاعر بشكل مؤقت.
وعلى المسئولين والإعلاميين أن يعوا هذا البعد المهم فى المسألة من أجل تيسير عملية الانتقال وسد الباب أمام محاولات نثر السموم المعتادة عبر أكاذيب وتكهنات، مع ضرورة إبقاء المواطن على علم بما يجرى من ترتيبات، بعد إشراكه فى القرارات عبر حوارات مجتمعية أو وطنية.
وعلى سيرة الوطنية، نقول إن قدر الوطن أن يكون فى القلب من إقليم هو الأكثر سخونة فى العالم. ويخطئ من يظن أن الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس السيسى ستكون مركزة فقط على الملف الاقتصادى، وكأن ما يحيط بنا من أحداث جسام وحوادث فادحة قد انتهت بنهاية الفترة الرئاسية السابقة. بالطبع الاقتصاد هو الاهتمام الشعبى الأكبر والأهم.
والطبيعى أن تتعلق أنظار الـ106 ملايين و202 ألف مواطن بما سيتم اتخاذه من خطوات خاصة بأسعار السلع والخدمات، ومراقبة الأسواق، وفتح الأبواب أمام الاستثمارات وضلوع القطاع الخاص بشكل أكبر وأكثر كفاءة إلى آخر التطلعات الاقتصادية المشروعة جداً.
لكن ولاية الرئيس الثالثة فيها اقتصاد، وفيها أمن، وفيها حدود ملتهبة، وفيها أوضاع إقليمية أقل ما يمكن أن توصف بها هو أنها «بالغة الخطورة»، وفيها أيضاً علاقات خارجية مع الشرق والغرب وما بينهما، وفيها زراعة وصناعة وتجارة وتعليم وصحة وحماية اجتماعية وأمن ونظام داخليان وثقافة وسياحة وغيرها.
وليست مبالغة لو قلنا إن أعين الملايين متعلقة بالرئيس لتعميق الثقة بين المواطن والحكومة. إنها الثقة التى لا تستوى بدونها الأمور، أو فلنقل إنها الثقة التى تسهل عمل الحكومة وتهون على الشعب مشاق الطريق.
وعلى سيرة مشاق الطريق، تبدو مسائل مثل التعليم والبحث العلمى والثقافة والخطاب الدينى وكأنها ملفات ثانوية أو اهتمامات قابلة للتأجيل، وذلك مقارنة بالأوضاع الاقتصادية الضاغطة الآن والمخاطر الإقليمية المحدقة الآن.
لكن الحقيقة أن السبيل الوحيد للتعامل مع الضغوط الاقتصادية بشكل يضمن علاجها بشكل مستدام هو بناء الإنسان المصرى بناءً «على مياه بيضاء».
المواطن المثقف المؤمن بالعلم المعتنق التفكير النقدى الداعم للبحث والتفكير النابذ للفكر الدينى المتطرف وحده القادر على التعامل مع الضغوط الاقتصادية بشكل يضمن علاجها ويعمل على عدم تكرارها.
كذلك المواطن المنتمى لبلده، المعتز بهويته الوطنية، الفخور بوطنه وتاريخه وأثره فى التاريخ وموقعه فى الحاضر ومكانته فى المستقبل هو وحده القادر على عدم تعريض أمن بلده الداخلى أو الخارجى للخطر، وإن تعرض فهو وحده القادر على درء هذا الخطر.
بناء هذا المواطن سيجد نفسه ضمن قمة الأولويات على مكتب الرئيس. عمليات البناء البشرى مستمرة ولا تتوقف لالتقاط الأنفاس. وبعد ما نجح الرئيس والمسئولون فى التعامل مع ملف السكن العشوائى، إما بإعادة تأهيله أو بإعادة بنائه، وبعد ما تحولت مناطق عشوائية عدة إلى أماكن معيشية آدمية جداً، يعرف المواطن أن دوره قد حان لتخليصه من عشوائية الفكر عبر الثقافة والعلم والبحث وتطهير الخطاب الدينى. أعان الله الجميع.