ستمر أيام العيد سريعاً، ونعود إلى معترك الحياة بإيقاعه الذي كان سائداً ما قبل رمضان.. فشهر رمضان يظل "راحة إجبارية لجميع الفرق".
ربما ليس راحة بمعنى التوقف عن العمل و"الأنتخة" بحجة الصياح أو غيره، لكنه راحة ما تٌفرض على الجميع بفضل الشهر الكريم، ويفرضها البعض على نفسه بحكم العادة حيث تحول دفة الأنشطة والتفاصيل الحياتية طيلة 30 أو 29 يوماً بعيداً عن إيقاعها المعتاد، وتتبع إيقاعاً رمضانياً فيه شيء من الهدوء وكثير من التركيز على ساعات الصيام وانتظار انطلاق مدفع الإفطار ثم الانتظار انطلاق مدفع السحور وهلم جرا.
وجرى العرف أن يتسم شهر رمضان بحد أدنى من المحتوى الخبري، باستثناء الجرعة الدرامية وكذلك البرامج الترفيهية التي تتحول إلى "خبر عاجل" ومادة تحليلية ونشرة أخبار الفنانين والكواليس والديكورات وغيرها.
لكن هذا العام لدينا مكونان خبريان فرضا نفسهما طيلة أيام الشهر بشكل أو بآخر.. وكيف لا يفرضا نفسهما وهما بهذا القدر من الأهمية والمحورية والمصيرية، وكلاهما يتصل بحياة كل مصرية ومصري، الأول بشكل غير مباشر والثاني مباشر جداً.
الأول هو حرب القطاع، أو حرب غزة التي لم تخمد نيرانها ولو قليلاً على مدار الشهر.. عيون المصريين وقلوبهم وعقولهم مثبتة عليها وعلى أهل غزة.
إنهم الأهل والجيران الواقعين بين شقي رحا، رحا آلة حرب ضروس لم تعد قادرة حتى على التفرقة بين أهداف عسكرية أو ضحايا مدنيين أو فرق إغاثة وأعمال خيرية فأصابت الجميع في مقتل وخراب.
وهناك رحا اشتعال الحرب نفسها التي يرى البعض أنها كانت ضرورة لإعادة إحياء القضية، ويرى البعض الآخر أن إحياء القضية لا يعني قرار فجائي للقيام بعملية جنت حتى الآن نحو 34 قتيلاً وما يزيد على 76 ألف مصاب ودكت غزة حرفياً، بالإضافة إلى شبح الجوع الذي يلوح في الأفق وقسوة الحياة التي لا يتحملها بشر لمن تبقوا في الداخل.
هذا الفريق الثاني – رغم إيمانه بضرورة إعادة إحياء القضية لأنها قضية حق مغتصب- قادر على رؤية ما يتم التلويح به انطلاقاً من حرب القطاع.
بدأت أصوات منظمة ممنهجة مخطط لها جيداً تتعالى بشكل صريح ومباشر تطالب شعوباً عربية بعينها الخروج إلى الشوارع والغضب والثورة وعدم الاعتداد بحكوماتها وقياداتها والانطلاق نحو فلسطين لتحريرها! وهي في دعوتها تلك تعرف جيداً ما تخطط له.
فوضى عارمة لا تقتصر على حرب القطاع فقط، ولا تكتفي بدول عدة حروبها الداخلية قضت عليها وعلى شعوبها أو كادت، بل تحلم أن تمتد الفوضى الشاملة والخراب الكلي إلى الجميع، لا سيما دول الجوار!
حيث إن العيد سيمر سريعاً كما أسلفت، وحيث أن الاهتمام الجماهيري بالأخبار، وعلى رأسها حرب القطاع، سيعود كما كان قبل رمضان، شهر الراحة الإجبارية الإخبارية، أرى أن الاستعداد لهذه "الرؤية" وتلك "الدعوة" التي بدأت شخصيات هنا وهناك تطلقها عبر أبواق إقليمية مكثفة ضروري.
الاستعداد يكون بالمواجهة عبر المكاشفة والمصارحة وإتاحة المعلومات والعمل على فك الاشتباك بين ما يتم الدعوة له وكأنه المطلوب من كل مؤمن ومؤمنة أو من كل شريف وشريفة - بحسب لغة الخطاب المستخدمة والتي تدغدغ المشاعر وتدق على أوتار الإنسانية- وبين أرض الواقع وحقيقة الأمور.
وأشير في هذا الصدد أن التضامن والتآزر والتعاطف، بل والمطالبة بإنهاء الحرب الوحشية فوراً بكل السبل لا تمر من بوابة إشاعة الفوضى في دول الجوار.
للأسف بيننا من هم عامرون بالإنسانية، مليئون بالإيمان، مفعمون بالخير، لكنهم غير ملمين بأبعاد الفصائل والكتائب والميليشيات، وتاريخ الفتن والمكائد، وأساليب دس السموم وإشاعة الفوضى والخراب.
مد يد العون لا يعني قطع اليد وتقديمها مبتورة للمكلوم!
كلام كثير يقال عن الاقتصاد استعداداً للعودة إلى معترك الحياة المعتادة بعد العيد.
الأزمة الاقتصادية التي كابدناها – وما زلنا- هي المكون الخبري الثاني الذي خفت إلى حد كبير طيلة أيام الشهر الكريم بالإضافة إلى إجازة العيد، لكن الخفوت لا يعني الانتهاء.
الأزمة موجودة، وإن كانت القيادة السياسية قد اتخذت عدداً من الإجراءات وقامت بالعديد من الخطوات على أرض الواقع قبل رمضان، كان من شأنها أن خففت حدة الأزمة وضخت الكثير من الأمل.
الأمل جميل، والتخفيف حميد، لكن الجميع ينتظر التأثيرات التي سيشعر بها في جيبه وفي تفاصيل حياته اليومية عقب إجازة العيد السعيد. والحقيقة إن جنون أسعار السلع الغذائية لم يهدأ طيلة رمضان. إنها عادة البعض من التجار الذين يعتبرون الشهر الكريم مناسبة لتحقيق أرباح خيالية من جيوب الصائمين والصائمات. لكن هذه العادة التي تزامنت هذا العام مع أسعار كسرت حاجز الصوت والضوء والعقل والمنطق، تارة بفعل الأزمة الاقتصادية وأخرى بفعل أزمة الضمير الطاغية وغياب الرقابة الحكومية الكافية.
آمال المصريين وأحلامهم وطموحاتهم معلقة على المحتوى الخبري الذي حتماً سيعود إلى وتيرته الساخنة بعد ساعات. علينا الاستعداد.