ما بعد الغضب والصدمة

ما بعد الغضب والصدمة

ما بعد الغضب والصدمة

 العرب اليوم -

ما بعد الغضب والصدمة

بقلم - أمينة خيري

في أوضاع شديدة الالتباس كالتي نعيشها، وفي تواتر أحداث بالغة المأسوية كالتي نشهدها، وفي تأزم ملفات كانت في الأصل بالغة التعقيد والتشابك، تكون الحاجة ماسة إلى بزوغ أصوات ومواقف وتحركات متعقلة.

يبدو الحديث عن التعقل في ظل الظروف الراهنة في غزة، وكل ما يحيطها من دول وأراض ومناطق، وكل ما يتصل بها من مصالح وتوازنات وتحالفات أمراً صعباً، بل ويصوره البعض وكأنه تخلٍ عن القضية، أو حياداً يصب في صالح المعتدي. ورغم ذلك، أو بالأحرى بسبب ذلك، الحاجة إلى التعقل ماسة.

التعقل ليس تضامناً مع المعتدي، أو تجاهلاً للمعتدى عليه، أو نأياً بالنفس عن الضلوع في قضية عمرها 75 عاماً ووصلت إلى ما وصلت إليه بسبب عدم استدامة الحلول.

واعتماد المعالجات على المسكنات والمهدئات. الحلول المستدامة لا تكون بالضرورة مثالية. فالعالم ليس مثالياً. صحيح أن تركيبتنا البشرية تدفعنا لنحلم بعالم مثالي، ونصبو إليه ببذل المزيد من الجهد والعمل، لكنه يظل عالماً يخضع لحسابات المكسب والخسارة، والخير والشر، والمتاح فعلياً والمتاح في عوالم الخيال فقط. وبينما ملايين العرب وغيرهم من القادرين على التفرقة بين الحق والباطل.

والمحتفظين بقدراتهم الإنسانية لدعم ومساندة غيرهم من البشر الذين يدفعون حياتهم وحياة عائلاتهم ومعيشتهم وسلامتهم وصحتهم الجسدية والعقلية، يعبرون عن غضب مستحق، ويطالبون بحق بديهي مسلوب، ويطالبون بإنهاء عدوان غاشم أبعد ما يكون عن مبدأ الدفاع عن النفس، ينبغي أن تكون هناك مسارات موازية تعمل على بناء قواعد المرحلة لما هو قادم.

فالغضب مهما بلغ من اشتعال، والمأساة مهما تعدت حدود القدرة على التحمل، والصدمة مهما بلغت من فداحة تصيب التفكير بشلل تام، ينبغي أن يصحبها تفكير عقلاني فيما هو قادم، إضافة بالطبع لما يمكن عمله لتخفيف حدة المأساة الآن.

العمل على تخفيف حدة المعاناة والمأساة غير المسبوقتين يجري على قدم وساق. والمسألة ليست بسيطة كما يتصور البعض. فتمرير الدعم الطبي والغذائي والمعيشي لا يتحقق في وضع متشابك كهذا بفتح باب ثم إغلاقه.

والتحولات الكبرى في مواقف قيادات دول وشعوبها في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» تزيد المسألة تعقيداً وصعوبة. واستعادة قدر من الدعم العالمي – على الأقل التعاطف – مع الشعب الفلسطيني، لا سيما أخوتنا في غزة، في أعقاب العدوان الدائرة رحاه على المدنيين، لا يكفي وحده لتعديل أو تغيير دفة السياسات العسكرية والأمنية والاستراتيجية على مستوى قادة الدول الكبرى، وذلك فيما يختص بالقضية الفلسطينية، وغزة تحديداً.

لم يعد في الإمكان استمرار تجاهل مواقف واختيارات أهل غزة أنفسهم. صحيح أن جزءاً من «التجاهل» يعود لغياب وسيلة حقيقية وصادقة لمعرفة أولويات أخوتنا من السكان المدنيين من عائلات غزة واختياراتهم، لكن أتصور أن الأمر لا يمكن أن يستمر كذلك كثيراً.

كثيراً ما ينجرف البعض بدوافع الوطنية الرائعة، والإيمان العظيم بالحقوق التاريخية، والتمسك البطولي بما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون، إلى وضع تصور مثالي لما يجب أن تكون عليه القضية العربية الفلسطينية، وتحديداً وضع غزة المأساوي.

لكن فرقاً شاسعاً بين وضع خطة شاملة كاملة لما تنبغي أن تكون عليه الأوضاع، بفضل وجود إنترنت سريع، وشاشة كمبيوتر أو محمول يجري شحنها بالكهرباء أولاً بأول.

وعلى وقع فنجان قهوة وكعكة، مع إمكانية الاستلقاء قليلاً على الفراش وقت القيلولة، والنزول إلى السوبرماركت لشراء الحليب اللازم للقهوة، وتناول مسكن في حال أصيب الرأس بصداع نتيجة متابعة الأحداث عبر التلفزيون ثم التدوين والتغريد والمشاركة والـ«لايك»، وبين واقع غزة وأهلها، وما هو متاح وممكن، وما هو مستحيل ومميت.

لذلك، فإن واجبنا الشعبي الآن أن نغضب ونعبر عن تضامننا ونتكاتف بغرض المساعدة. وفي الوقت نفسه، واجب القادرين والمخول لهم حق صناعة السياسات واتخاذ القرارات العمل على إيجاد حلول مستدامة، والتفاوض والضغط من أجل تفعيلها.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الغضب والصدمة ما بعد الغضب والصدمة



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية
 العرب اليوم - دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 العرب اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab