الذين عبروا عن غضبهم من القصف الذي تعرض له السيد صلاح الدين مزوار، الرئيس المستقيل من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، معهم حق، والذين قالوا إن الكلمات التي خرجت من فوهة بلاغ وزارة الخارجية المغربية لم تكن أبدا مستساغة بالنظر إلى أن مهمة هذه الوزارة تتطلب الديبلوماسية معهم حق أيضا، والذين ذهبوا إلى حد التضامن مع السيد مزوار على أساس أنه ضحية من ضحايا حرية التعبير والرأي معهم أيضا حق. ولكن، نقطة واحدة بسيطة قد تنسف كل هذه المواقف المبدئية السليمة ولن تخرج عن عنوان عريض، وهو الإستقلالية.
ماذا قال رئيس الباطرونا المستقيل؟
في منتدى السياسات بمراكش الذي حضرته شخصيات وازنة من الأركان الأربعة للعالم، وضمنهم رئيس دولة رواندا بول كاغامي، قال مزوار إن أثر سياسة ترامب على التوازن الدولي والاستقرار العالمي كان وخيما، وأثنى الرجل على الصين وعلى نوعية استثماراتها في افريقيا التي أتاحت لقادة القارة السمراء استعادة جزء كبير من سيادتهم في ما يخص قرارات سياسة الاستثمار والتنمية، وعاب على أوربا كشريك عجزها عن استيعاب التحولات العميقة التي يعيشها العالم، ومن ذلك المغرب العربي.
وحسب مزوار، فإن المستقبل في المغرب العربي سيكون للقوى السياسية المنظمة في تحديد السياسات العمومية، وهي القوى الإسلامية، معتبرا أن حل المسألة الجزائرية يكمن في تقاسم الجيش للسلطة مع القوة التي خاض ضدها حربا لمدة عشر سنوات.
وبماذا ردت الدولة من خلال وزارة الخارجية؟
إن خرجة السيد مزوار حسب وزارة الخارجية غير محسوبة، وإن الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يمكنه الحلول محل حكومة جلالة الملك في اتخاذ مواقف من القضايا الدولية وخصوصا في موضوع الجزائر، والختام مسك بأن حكومة صاحب الجلالة تشجب هذا التصرف غير المسؤول والأرعن والمتهور.
ومن المغربات المغربية أنه بعد دقائق من صدور هذا البلاغ الناري، كانت رسالة استقالة صلاح الدين مزوار قد وصلت إلى مقر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، لتفتح الباب على واد من المداد الذي سود الصفحات اندهاشا واستغرابا وذهولا وتدبرا وتفكرا والتي تختتم كلها بشكل منطوق أو مضمر بتوقيع ''الدايم الله"!
إن مسار السيد صلاح الدين مزوار هو عنوان نجاح ولكن في مضمار خاص. لقد كان رياضيا بارزا في كرة السلة، ومن مجرد مستخدم في قطاع الماء والكهرباء ثم مدير تجاري لشركة نسيج إلى رئيس لفيدرالية النسيج في نقابة الباطرونا، قبل أن يصبح وزيرا للصناعة والتجارة ويدخل إلى حزب الأحرار، وعندما كانت ساعة السيد المنصوري قد حانت، بعدما أراد أن يركب على جواد الاستقلالية كرئيس لحزب الحمامة، تم قلبه ولم يكن الوجه الذي خلفه غير صلاح الدين مزوار الذي كلف بمهمة هزم الإسلاميين، وكان شرسا في مواجهة العدالة والتنمية وكون مجموعة الثمانية ضدهم ولكنه فشل، مما فتح الطريق أمام بروز حزب الأصالة والمعاصرة للقيام بنفس المهمة.
هذا المزوار الذي كان رمزا للعداء للإسلاميين هو الذي يقول اليوم إنهم القوى المنظمة الوحيدة في بلادنا، وهو الذي يقول إن المستقبل لهم وإن القوى السياسية التقليدية قد انتهت؟ فلماذا ضيعت على المغرب سنوات من معارك سياسية دونكشوطية؟ ولماذا كنت وزيرا للمالية باسم واحدة من هذه القوى التقليدية ثم وزيرا للخارجية وأنت رئيس للتجمع الوطني للأحرار!
إن للسيد صلاح الدين مزوار كامل الحق في التعبير عن رأيه وعن أفكاره وعن مواقفه، وله أن يغير هذا الرأي مائة وثمانين درجة إن شاء ذلك، فـ ''الراس اللي ماكيدورش كدية''، ولكن لا يمكن للسيد مزوار أن يستبلد الناس وقد كان فاعلا رئيسا في منظومة ما يسميه البعض ب '' التحكم '' وكان رمزا من رموز التبعية داخل إطار سياسي، ليس تقليديا فقط، قد يتم تجاوزه كما يحدث في العالم، ولكنه إطار فريد من الخصوصيات المغربية الأثيرة أطلقت عليه معارضة أيام العز نعت الأحزاب الإدارية، فهل تقبل «الإدارة» من واحد من خدامها البارزين أن يحظى بشرف استقلالية التحليل والرأي والتفكير وفي نفس الوقت بمغانم السلطة الموهوبة والريع؟
هنا فقط تتغير معادلة الحق في التعبير الجريء، وأنا لا أعتقد أن السيد مزوار قد تم جلده أمام الرأي العام الوطني والدولي بسبب الجزائر فقط، ولكن بسبب كل ما قاله سواء حول ترامب أو الصين في افريقيا، فما بالك بتقطير الشمع حول بسمو الإسلاميين على حزبه ورئيسه الجديد عزيز أخنوش، والمشروع العام الواضح في الحد من حكم البيجيدي في 2021 بعد 10 سنوات من تدبير الشأن الحكومي.
إن المبدأ يقول إن صلاح الدين مزوار لم يعد مسؤولا حكوميا ولا قياديا حزبيا، بل هو رئيس جمعية مدنية مستقلة وازنة في الحياة الإقتصادية ببلادنا، وهذا القول بدوره له وجه ثان يعرفه مزوار جيدا، فصعود من أصبح يعرف سياسيا وشعبيا بـ ''المفعفع'' إلى قمرة قيادة الاتحاد العام لمقاولات المغرب هو أصلا دليل على عدم استقلالية قرار المنظمة، ودليل على مساهمة مزوار مع سبق الإصرار والترصد في تكريس هذه التبعية، وهو الذي استساغ أن يصبح رئيسا لرجال الأعمال وليست له أصلا أية أعمال!
من كل ما سبق، وبناء على الحيثيات الواضحة والفاضحة في هذا الاختزال لمسار رجل نذر حياته للمقالب والمناورات السياسية، فإن ما جرى لمزوار غير المسؤول، والأرعن والمتهور، حسب شهادة سوء السيرة والسلوك من الحكومة، ما هو إلا تأديب شبيه بما تتيحه مدونة الشغل لرب العمل تجاه مستخدم ارتكب في نظره خطأ جسيما، والفرق البسيط هنا هو أنه في اللعب الكبير ليست هناك محكمة لقضايا الشغل قد تنظر في شكوى طرد تعسفي، فالاستئناف لن يكون إلا أمام الله عز وجل، وهو الأعلم بسرائرنا وسرائر مزوار، واذكروا أمواتكم بخير.