لماذا تستعين القومية بالدين

لماذا تستعين القومية بالدين؟

لماذا تستعين القومية بالدين؟

 العرب اليوم -

لماذا تستعين القومية بالدين

بقلم - رضوان السيد

تعج شوارع العاصمة الأرمينية يريفان بالمتظاهرين الذين يريدون إسقاط رئيس الوزراء لكي يحولوا دون عقده اتفاقية سلام مع أذربيجان تتنازل الحكومة الأرمينية بمقتضاها عن آخر أربع قرى كسبتها أرمينيا في إقليم ناغورنو كاراباخ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. الإقليم الذي صار شهيراً بسبب الحروب كانت فيه أكثرية سكانية أرمنية لكنه كان أيام السوفيات تحت السيادة الأذرية. بعد السلام السوفياتي المنتهي عام 1991 واستقلال الدول في آسيا الوسطى والقوقاز، جرت ثلاث موجات من الاشتباكات أو الحروب على الإقليم وكسبت أرمينيا بمساعدة روسيا وإيران الحربين الأوليين في حين كسبت أذربيجان الحرب الأخيرة بمساعدة تركيا. القرى الأربع هجرها سكانها إلى داخل أرمينيا مثل عشرات الألوف الآخرين، لكنّ الأذريين لم يتقدموا إليها بسبب وجود الجيش الروسي على خطوط التماس وقد انسحب الآن أيضاً مصحوباً باتهامات الأرمن أنه انحاز للأذريين في الحرب الأخيرة! إنّ كل هذه التفاصيل وردت للوصول إلى متغيرٍ بارز، فالمظاهرات ضد باشينيان ليست جديدة، لكنّ الجديد فيها تزعُّم مطرانٍ من الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية لآخر موجاتها. وحجة المطران أن القرى الأربع بل كل الإقليم يحمل ذكريات دينية ويحتوي على كنائس تاريخية دمرها الأذريون الذين ينكرون ذلك، فالمسيحية الأرثوذكسية التي تخلى عنها الروس هي المستهدفة ويوشك رئيس الوزراء أن يخضع ويتخلى عن الموروث الديني والوطني لأنه يخشى هجوماً أذرياً لا يملك الجيش المنهزم القدرة على الوقوف في وجهه. بينما وجهة نظر رئيس الوزراء أنه لن يسلم لأرمينيا إلا حدودها السوفياتية المصنوعة عام 1922 فما الداعي لمعاناة الهزيمة مرةً أُخرى؟

مناطق البلقان وآسيا الوسطى والقوقاز والتي استيقظت وحداتها الإثنية الصغيرة والمتوسطة في القرن التاسع عشر، وكانت تلك اليقظة بين أسباب الحرب العالمية الأولى، مشهورة بثوران القوميات فيها ومطالبتها للإمبراطوريات النمساوية والعثمانية والروسية بالاستقلال باتجاهاتٍ متناقضة. وفي الغالب وليس دائماً كانت الإثنيات المستيقظة تستعين بالدين لتقوية مطالبها بأراضٍ معينةٍ أو أثر ديني. وهي ظاهرةٌ عادت مؤخراً حيث تتمسك القلة الصربية في البوسنة وكوسوفو (على وجه الخصوص) بمواقع وشواهد وذكريات دينية إبّان انتشار المسيحية في المنطقة والتي صار سكانها مسلمين. وهذا التضامّ بين القومية والدين يظهر بوضوح في ميانمار البوذية ضد أقلية الروهينغا المسلمين. وقبل أيام وعلى مشارف الانتخابات زار رئيس الوزراء الهندي مودي موقع معبدٍ ديني للإله راما بُني قبل سنوات على أنقاض مسجد يقال إنّ المسلمين أقاموه هناك بدورهم مكان معبدٍ هندوسي في القرن السابع عشر! وها هم المتشددون الإسرائيليون يغيرون في كل فترة على المسجد الأقصى وعلى الحرم الخليلي ودائماً بحجة التأصيل الديني وإحقاق العقيدة الصحيحة التي ترتبط بالجغرافيا أيضاً!

الباحث الأميركي سكوت هيبارد ذهب في كتابه عن الدول العلمانية واستغلال الدين (2009) إلى أن بعض الزعماء السياسيين يثيرون الحساسيات الدينية ويستغلونها للكسب الشعبي، وهي لا تستند لمشاعر دينية حقيقية، بل تعمد لإثارة المخاوف، ونشر الكراهية والتعصب للسيطرة على الجمهور أو فئات منه وفي الغالب بأوهامٍ وتضخيم للأخطار المحيطة. وهو يذهب إلى أنه حتى أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند السابقة عن حزب المؤتمر التاريخي العلماني كانت بدورها تنافس اليمين على المشاعر الدينية الهندوسية. أما في عهد حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي فلا يحتاج الأمر إلى دليل. والواقع أن الهند بالذات لا تنفع فيها في المدى الطويل لا الحساسيات القومية ولا الدينية. وكذلك الأمر في الولايات المتحدة الكثيرة القوميات والأديان.

ضرب هيبارد أمثلةً من الولايات المتحدة والهند ومصر. لكنّ مسألة الاستعانة بالدين لدعم الهوية القومية لا تنطبق في الحالات الثلاث إلاّ على الهند. ولذلك ذهب فوكوياما في كتابه عن الهوية والكرامة ومشاعر الاستياء (2017) إلى أنّ إحساسات ومشاعر الهوية والخصوصية في أوروبا والولايات المتحدة مختلفة عنها في آسيا وأفريقيا. والدين لا يلعب دوراً بارزاً رغم كثرة الحديث عن الإسلام.

وهناك أخيراً خطاب الاقتصاد بين الكبار الذين يعدون الثورات التكنولوجية، ومتغيرات المناخ علةً أساسية في الاضطراب العالمي بما في ذلك ظهور متحدات القومية والدين، باعتبارها ردود أفعال على المخاوف الكبرى العولمية، والتي يستغلها رجالات السياسة والإدارة إنما إلى أمدٍ محدود. هل تنقضي الظاهرة؟ لا تنقضي ما دامت الحماسة الدينية تنفع رجالات الأحزاب.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تستعين القومية بالدين لماذا تستعين القومية بالدين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab