عندما تصبح السياسات استراتيجيات

عندما تصبح السياسات استراتيجيات!

عندما تصبح السياسات استراتيجيات!

 العرب اليوم -

عندما تصبح السياسات استراتيجيات

بقلم - رضوان السيد

يذهب جوزف ناي (صاحب مصطلح ومفهوم القوة الناعمة) في كتابه الجديد: «حياة في القرن الأميركي (2024)» (سيرة) - وقد عمل في إدارات ستة رؤساء، وعميداً لمدرسة كيندي لأنظمة الحكم بجامعة هارفرد، إلى أنّ السياسات الخارجية للولايات المتحدة تتأثر وتتغير كثيراً مع كل رئيس، ولماذا؟ لأنّ مزاج الرئيس يلعب دوراً، ولأنّ السياق أو المحيط المتجدد يدفع باتجاه هذا الأمر أو ذاك. لكن رغم التجربة الطويلة والخلفية الأكاديمية فإنّ الرجل المجرَّب لا يبدو محقاً، فالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط بل وفي أوروبا وجنوب شرقي آسيا تبدو شديدة البطء والسير باتجاهٍ واحد أو متقارب وعلى مدى عقدٍ أو عقدين؛ وبغضّ النظر عن تغير الرؤساء وتغير التبعيات الحزبية.

العالم يشهد ذلك الآن، والولايات المتحدة منهمكة مع قطر ومصر (وإسرائيل بالطبع) في تنظيم هدنة أو وقف لإطلاق النار في غزة. وللمرة الأولى منذ أوسلو 1993 تبدو الولايات المتحدة شديدة الاهتمام بحلّ الدولتين. وإذا كان وقف النار متعلقاً بالدرجة الأولى بإسرائيل؛ فإنّ إقامة دولتين أخيراً على أرض فلسطين، تغيّر خريطة الشرق الأوسط ولا تكفي لإحقاقها الولايات المتحدة وحلفاؤها. فالمؤتمر الدولي والإسهام العربي كلاهما ضروري لظهور ولاستتباب الدولة الوطنية الجديدة؛ لكنّ الولايات المتحدة التي تتحدث عن الدور العربي لا تزال مصرةً على الانفراد كما في سائر تاريخ القضية الفلسطينية في المجال الدولي. ويقال أيضاً إنّ الإسرائيليين لا يقبلون إلا بهذه الطريقة وهذا صحيح لكنّ الأميركيين من أيام كيسنجر ما عودوهم إلاّ على اللعب بالطريقة المنفردة وخارج النظام الدولي، وظلَّ الأمر على هذا النحو حتى حرب غزة وسيبقى ما دام الشرق الأوسط على الأقلّ لا يزال في «القرن الأميركي».

وتعود الأمور إلى الاضطراب في العراق، وليس بين الحكومة المركزية والأكراد فحسب، بل وبين الشيعة والسنة. ويرجع هذا الاختلال إلى عام 2003 عندما احتلّ الأميركيون العراق. إذ وقتها أقام الأميركيون تحالفاً بين الشيعة والأكراد لهدم النظام العراقي (السنّي؟) الذي كان قائماً. وتغيرت الأمور كثيراً خلال الاحتلال الأميركي، ولكنّ سياسات التحالف لم تتغير، رغم أنّ التقارب الكردي - السنّي كان يمكن أن يُحدث توازُناً بدلاً من المرارات الهائلة التي أنتجت «داعش» وأحدثت غربةً بين الشيعة والأكراد أيضاً، لأنّ الأميركيين قدر حرصهم على «سلامة» الأكراد، ظلوا يعدون أن اللعبة السياسية لا تحتمل غير التحالف الذي نفضه الشيعة عن أكتافهم أخيراً فوقع الأكراد في الوحدة بين إيران والشيعة الحاكمين ببغداد. وهكذا خلال حوالى العشرين عاماً ما تغيرت السياسة الأميركية بالعراق رغم تغير المعطيات.

والشيء نفسه يمكن قوله عن السياسات الأميركية تجاه سوريا الأسدين. ديفيد هيل السفير الأميركي الذي خدم في لبنان والمنطقة زهاء عقدين ونيف، يقول الآن في مذكراته التي تنشر صحيفة «الشرق الأوسط» أجزاء منها إنّ سياسة: سوريا أولاً منذ أيام كلينتون بل وقبل ذلك أدت إلى استيلاء سوريا على لبنان، وإلى استجلابها لإيران وروسيا لحماية نظامها من شعبها. لماذا لم تتغير السياسات تجاه النظام السوري؟ رغم طروء ظروف تتيح التغيير بل تفرضه؟ هناك من يقول مراعاةً لإيران، وهناك من يقول مراعاةً لإسرائيل. إنما في أي من الاحتمالين، يبدو بوضوح أن ذلك لم يكن لصالح الولايات المتحدة واهتماماتها الوطنية!

يقول ديفيد هيل إنّ سياسة «سوريا أولاً» أدت للسيطرة السورية على لبنان. وما تغيرت تلك السياسة منذ عقدين ونيف؛ لكنْ بدلاً من ذهاب المبعوثين الأميركيين لدمشق صاروا يذهبون أو يذهب من يتفاوض باسمهم لعند حسن نصر الله بالضاحية الجنوبية لبيروت. وقد «نجحت» هذه السياسة في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ويزعم هوكستين - المبعوث الأميركي - أنها ستنجح في الحدود البرية بعد انتهاء الحرب في غزة. لكن لا أحد يعرف كيف، فمزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة من جانب إسرائيل الملاّك فيها لبنانيون والتبعية لسوريا و«حزب الله» يزعم الحفاظ على مصالح الطرفين. وما عاد محتاجاً إلى التظاهر ببقاء سلاحه من أجل تحرير المزارع، فقد صار سلاحه «شرق أوسطي» ولا تنتهي فاعليته (إذا انتهت يوماً!) إلاّ بانتهاء أزمة الشرق الأوسط كما قال حليف الحزب الرئيس السابق ميشال عون!

من تفيد سياسات أميركا الحالية في لبنان؟ يقال أحياناً تفيد إسرائيل بتأجيل الحرب بينها وبين الحزب (أي بينها وبين إيران!). إنما المفهوم من هذا كله أن هناك سياستين أميركيتين متقابلتين أو متوسطتين: إيران أولاً، وإسرائيل أولاً، أو العكس! والشاهد في هذه الحالة أنّ السياسة الأميركية ما تغيرت تجاه سوريا وإيران خلال عهود أربعة رؤساء!

وتبقى مسألة اليمن، وما أدراك ما مسألة اليمن! كان يمكن إنهاؤها لصالح وحدة اليمن واستقراره قبل ثلاثة عشر عاماً بعد صدور القرار الدولي رقم 2216 بيد أنّ شيئاً من ذلك لم يحدث بسبب «إيران أولاً» لدى الولايات المتحدة ربما منذ عام 2003 عند بدء الصراع على النووي والذي تطّلب تنازلات في العراق وسوريا ولبنان... واليمن. فتحت بصر الأميركيين درّب الإيرانيون و«حزب الله» الحوثيين وصنعوا جيشاً لهم مع الأسلحة الثقيلة مع التمكن من معظم مدن وبلدات شمال اليمن. وما حاول العرب مرةً بالتحشد أو بالتنازل إنهاء المشكلة إلاّ وقف الأميركيون حجر عثرة. والآن وبسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وبحر العرب، يقول الأميركيون والبريطانيون إنّ إيران تنشر الاضطراب في جميع أنحاء العالم! فهل تغيرت السياسات تجاه الحوثيين على الأقل؟ لا يبدو ذلك واضحاً وإلاّ لأمكن القضاء على صواريخهم ومسيّراتهم بسرعة!

كيف تضع الدول الكبرى سياساتها؟ الأحرى السؤال عن الاستراتيجيات لأنّ السياسات فروعٌ لها أو مترتبة عليها. وقد بدا في الحرب الباردة وما بعدها أن الولايات المتحدة تكسب بالشرق الأوسط على حساب الاتحاد السوفياتي. لكنّ ضربات «القاعدة» جعلت الأميركيين يولّون ظهرهم للعرب ويتجهون إلى تركيا وإيران. وقد كسبت الدولتان من الولايات المتحدة رغم اختلاف الأساليب. وسارت بعد ذلك في سياسات «استيعاب» أورثت الكثير من الفشل والاستضعاف، وساد بعض الهدوء بعد عام 2019. لكن إيران فجّرت الأوضاع في لبنان والعراق وفلسطين واليمن، ولا تزال أميركا مترددةً في حسم سياساتها واتجاهاتها.

طوال أكثر من عقدين ما تغيرت السياسات الأميركية في المنطقة إذن بل تحولت إلى استراتيجيات! إنما بسبب الجمود وعدم التغيير تتعاظم الأزمات في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن، فهل يدفع فشل سياسات «الأمر الواقع» والاستيعاب المستمرة إلى التغيير أخيراً بدءاً بفلسطين؟!

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تصبح السياسات استراتيجيات عندما تصبح السياسات استراتيجيات



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab