بقلم - رضوان السيد
وجّه الملك سلمان بن عبد العزيز خطابه السنوي إلى الجمعية العامة للأُمم بمناسبة عودتها إلى الانعقاد يوم الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي. وقد صادف ذلك الذكرى التسعين لليوم الوطني السعودي. وقد استند في استهلال الخطاب إلى مهمات المملكة ومسؤولياتها باعتبارها أرض الرسالة ومهبط الوحي. ولذلك فهو يتحدث من موقع القيادة المسؤولة. ومن منطلقات الدين الحنيف، والثقافة العربية، والقيم الإنسانية المشتركة. وهي جميعاً تتجذر فيها اليوم وتبرز أكثر من أي زمنٍ آخر قيم التعايش والسلام والاعتدال، التي تقتضي التكاتف في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة.
هناك إذن القيم الإنسانية المشتركة التي تقتضي التعاون والتضامن، وهناك ضرورات المبادرة بسبب بروز تحديات استثنائية على الإنسانية مواجهتها، والملك سلمان يقصد بها وباء «كورونا»، وتأثيراته المخيفة على حياة الناس وصحتهم، وعلى اقتصاد العالم، وبخاصة البلدان الضعيفة. المملكة ناضلت بشكلٍ مباشرٍ ضد الوباء وضد تأثيراته المهولة، من خلال إجراءات وطنية صارمة، وصلت إلى وقف الحج والعمرة - ومن خلال الإسهام مع العالم: مع منظمة الصحة العالمية، ومع دول العشرين التي تقودها في عام 2020. حيث جمعتهم مرتين، وتبرعت بخمسمائة مليون دولار للاقتصادات الضعيفة ولمكافحة الوباء بالتدابير الاحترازية والأدوية وتطويرات اللقاح؛ في الوقت الذي كانت تتصدى فيه وما تزال لأزمة أسعار الطاقة واستعادة التوازُن فيها.
الوباء والمشكلات التي تولدت عنه هي التحديات الاستثنائية التي تحدث الملك سلمان عما قامت به المملكة لمواجهتها. لكنّ فلسفة السياسة السعودية أو استراتيجيتها العامة إنما تتمثل في «التعايش والسلام والاعتدال» من طريق إحقاق قوة التوازن، وعدم الخضوع لاضطراب «توازن القوى». إنّ منطقة الشرق الأوسط هي أكثر مناطق العالم تعطشاً للاستقرار والسلام. وهي تعاني من اختلالاتٍ في العيش، واختلالاتٍ في التوازن الاستراتيجي. والاختلال ناجمٌ بحسب خطاب الملك عن ظاهرتي الإرهاب: «القاعدي» و«الداعشي» من جهة، والإيراني (والتركي) من جهة ثانية. تطرق الملك للإرهاب «الداعشي» و«القاعدي» في موطنين من خطابه. إذ هو بالإضافة إلى إشاعته للاضطراب والتخريب والقتل، يسيئ للعرب والمسلمين من جهتين أُخريين: الأولى: اجتياح العالم بالإرهاب، والثانية تشويه سمعة الإسلام والمسلمين. إذ يجري استغلال ارتكابات «الإرهاب الإسلامي» هذا للاستنتاج بأنّ الإسلام دين عنف، فيجعل من عيش المسلمين (وثلثهم يعيش في دول غير إسلامية) في العالم صعباً - كما أنّ هؤلاء يمكن استخدامهم بسهولة لضرب الاستقرار في الدول العربية والإسلامية. ولذلك ذكر الملك جهود المملكة في مقاتلة الإرهاب مع التحالف الدولي، كما ذكر إسهامات المملكة في المؤسسات الدولية، وفي المؤسسات التي أنشأتها بالداخل، وانتهى إلى ذكر مقاتلة المملكة لإرهابيي «القاعدة» و«داعش» باليمن.
أما الإرهاب الآخر، أي الإرهاب الإيراني فإنّ الملك اعتبره أهم عوامل الاضطراب في اليمن وسوريا ولبنان. المملكة حاولت على مدى عقود إقامة علاقات حسن جوارٍ وتعاون مع إيران، واستقبلت وفوداً مختلفة عشرات المرات. بيد أنّ ذلك كلّه لم يمنع الإيرانيين من الاعتداء المباشر وغير المباشر على الحرم المكي، والمنشآت البترولية، والأعيان المدنية. وأعمال إيران التخريبية في اليمن شرٌ كبير. ولذلك فإنّ المملكة، إضافة للمساعدات الإنسانية الكبيرة التي تقدمها لليمن مباشرة أو عبر المؤسسات الدولية، ومشروعات المصالحة ووقف النار؛ ستظل مصرة على مساعدة اليمنيين لاستعادة مدنهم وأرضهم من براثن الانقلاب والإرهاب، وحماية أمنها الوطني، وأمن البحار ومسالك التجارة العالمية. ما ترك الملك شكاً في أن المملكة لن تتوانى في الدفاع عن أمنها الوطني، من إرهاب الدولة الإيرانية وميليشياتها. وفي حين دعا لإنهاء الحرب في سوريا، والحرص على وحدة الأرض السورية، لاحظ التدخلات الخارجية في ليبيا ودعا لاستعادة الاستقرار. ثم قال القول الفصل بشأن الأزمة اللبنانية «نتيجة هيمنة الحزب التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح». ولذا فإنّ الملك لا يرى فرصة لأمن لبنان واستقراره ورخائه إلاّ بتجريد «هذا الحزب الإرهابي من السلاح».
العرب تخالجهم أشواقٌ كبيرة للسلام والتقدم ومشاركة العالم في مواجهة التحديات، وصنع مستقبل آخر للإنسانية. والمملكة وعلى أساس «رؤية 2030» تسير بخطى ثابتة لامتلاك اقتصادٍ رائد، ونهوض كبير في شتى المجالات. لكنّ المملكة والعرب يحتاجون لتعاوُن العالم في إنفاذ القرارات الدولية بشأن السلام العادل والدولة في فلسطين، وإلى تعاوُن العالم في كبح جماح الاعتداءات الإيرانية والتركية على الأرض والسيادة في عددٍ من الدول العربية. هناك الملف النووي، وهناك الصواريخ الباليستية والمسيَّرات، وهناك التدخلات الإيرانية من طريق الميليشيات التي كونتْها للتخريب وزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم.
لقد تحدث الملك عن تحدياتٍ ومسؤولياتٍ وسياسات. وما نسي أو تجاهل أي مشكلة من المشكلات. وقد عرض شراكة مع العالم لمواجهة التحديات المشتركة من أجل تقدم الإنسانية وسلامها. وهي الشراكة المسؤولة ذاتها مع الشعوب العربية في اليمن وليبيا وسوريا ولبنان وفلسطين: تعالوا نعملْ معاً من أجل الاستقلال والاستقرار والسلام. ولا استقرار ولا استقلال للشعوب والدول إلاّ بدحْر الإرهاب الداعشي، ونزع سلاح حزب الإرهاب والسلاح!
هي بلدانٌ محطمة، وفُرص مفوَّتة للسلم الوطني والأهلي والحياة الكريمة، والعيش الإنساني العذب والنبيل. وكل ذلك عرفه اللبنانيون والسوريون والليبيون والعراقيون واليمنيون، وحرمهم من ذلك كله في أخطر عقود تطور العالم، الإرهاب بالدين وبفلسطين وبوقاحة الاستيلاء والتهجير باسم الحقوق التاريخية والمذهبية! وفي مقابل ذلك يعرض خادم الحرمين نهجاً للدفاع والحفظ والتنمية وصنع التقدم والشراكة مع العالم. هناك مرارة الواقع والوقائع، إنما هناك أيضاً العزيمة الصارمة على التحدي، والإصرار على صنع المستقبل الآخر للمملكة وكل العرب!