قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية

قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية

قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية

 العرب اليوم -

قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية

بقلم - رضوان السيد

الموضوع ليس جديداً. فالأمن العربي في الأرض والحدود وبين المجتمعات والدول، في المرحلة الحديثة، مهدَّدٌ منذ «سايكس - بيكو». ففي العام 1917 ما اتفقت أطراف الحرب الأولى على تقسيم المنطقة على أسس إثنية وجغرافية ودينية فقط، بل اتفقوا يقودهم البريطانيون على الوطن القومي لليهود في فلسطين العربية. وعلى ذلك، كلما حصلت انتكاسةٌ في الأمن الداخلي أو الخارجي لدولةٍ أو مجتمع عربي، يتصاعد جَلْدُ الذات، بالزعم أنه ليست لدى العرب «قضية» يشعرون بالحاجة للتجمع من حولها للنُصرة أو للدفاع!

كيف ظهرت فكرة «القضية»، ولماذا التعيير بفقدانها؟
القضية في الأصل «إمبراطورية» تقصد إلى التنافس والتوسع والاستيلاء على الطرق التجارية البرية والبحرية، مثل الصراع المصري – الأشوري، والإيراني – اليوناني، والروماني - الفارسي.

 ثم صار لها جانبٌ ديني في دار الإسلام، والإمبراطورية الرومانية المقدسة. وفي زمن الدولة القومية التي تفترض الصفاء العِرقي، وأحياناً الديني، وبالتالي الانكماش، ما أضعف التفكير الإمبراطوري، الذي اندفع لإنشاء إمبراطوريات في ما وراء البحار، ثم في آسيا وأفريقيا. إنما بعد الحرب الأولى، صار المشروع القومي (لكل شعبٍ دولة) هو القضية التي قامت عليها عصبة الأمم، ثم الأُمم المتحدة بعد الحرب الثانية.

وبالطبع، فقد اشتدّ الخلاف حول المفاهيم والسياسات على الأرض، كيف تكون دولة لشعبٍ يراد جمعه وإحضاره إلى فلسطين، على أساس الدين، وليس الإثنية، أو على أساس اعتبار الدين هويةً قومية؟ وما مقتضيات المشروع القومي العربي وعلائقه بالإثنية والدين؟ وما موقع الأقليات الدينية أو الإثنية فيه؟ وهل هي شعوبٌ ينبغي إنشاءُ دولٍ لها؟ ومنذ 50 أو 60 عاماً، ما أمكن الاتفاق على هوية المشروع القومي وأبعاده، وإنما المشروع العربي هو مشروعٌ وحدوي، وحدوده المعقولة حدود الجامعة العربية، التي تفترض مصالح مشتركة، وسياسات مشتركة.

لكن ظلت هناك فكرتان أُخريان بشأن «القضية». هناك قضية أو قضايا الإثنيات في العالم العربي مشرقاً ومغرباً، وهي ذات طموحات دولتية، وبخاصةٍ إذا ازدادت الضغوط عليها، كما حصل في الستينات وفي العقدين الأخيرين. وهناك القضية الإسلامية، إذا صحَّ التعبير. فهناك أُناسٌ لم يتخلَّوا عن الأبعاد الترابية لدار الإسلام. وآخرون لم يتخلوا عن الأبعاد العقائدية. ولذلك جرى العمل بإلحاح على تسييس الدين لإقامة الدولة الدينية من جديد، وهم يحسبون أن الخلافة كانت كذلك، بينما الواقع أنه في زمن الدولة القومية لا يمكن اعتبار الدين هويةً قومية، وهو الأمر الذي حصل في المشروع الباكستاني، وفشِل. فالدولة انقسمت إلى دولتين على أسس إثنية، رغم وحدة الدين، وفي كلا الكيانين، ما أمكن إنشاء دولةٍ دينية. أما في إيران فقد أمكن ظاهراً إقامة دولة دينية، لكن مع تطلعات قومية وإمبراطورية فارسية، تماماً مثلما يحاول إردوغان المزج بين الدين والقومية بطموحات إمبراطورية!
هذا هو الفهم القديم نسْبياً لمسألة الهوية يُحيي أوهام الإمبراطورية، وسط الانتكاسات التي تُعاني منها الدولة الوطنية العربية. فدولة «داعش» ليست إحياءً للحلم أو الواقع القديم، ولا تصلح هدفاً مستقبلياً.

 وكذلك الأمر مع مشروعي إيران وتركيا. وهذه ليست «قضايا» يمكن اعتبارها أهدافاً قوميةً أو إسلامية، وإلاّ فلماذا تريد الأمتان التركية والإيرانية تقسيم سوريا أو اليمن أو شرذمة العراق، أو تخريب لبنان، وباسم الإسلام أو المصالح القومية؟! هي أوهامٌ فات أوانها وزمانها ومسوِّغاتها، وستجد نفسها تعمل عند أميركا أو روسيا أو الصين أو الدول الثلاث معاً! والحكمان بهذه السياسات، التي تريدان من ورائها الحفاظ على الأمن القومي، إنما يهددان بهذا التوسع القتالي الأمن الذاتي الذي تريدان الحفاظ عليه!

عندنا قضيةٌ كبرى حديثة ومتجددة منذ قرنٍ من الزمان وهي قضية الدولة الوطنية. «الدولة التي تصون ولا تبدد، تبني ولا تهدّد، تشد أزر الصديق، وترد كيد العدو، وتعمل على أمن شعبها وأمن العالم بقدر ما تستطيع». حتى قضية فلسطين هي قضية إقامة دولةٍ وطنية للشعب الفلسطيني الحقيقي والقائم. وقد عملت دول الجامعة العربية على ذلك وباستحثاث لأكثر من 3 عقود. وتغيرت الاستراتيجيات بسبب تغيرات النظام الدولي والسياسات الدولية بالمنطقة. لكن ليس هناك عربي واحد لا يرى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة للشعب الفلسطيني.

وهناك فرقٌ بالطبع بين المرحلة السابقة والمرحلة الحالية للدولة الوطنية العربية. ففي مرحلة التحرر الوطني في الخمسينات والستينات، بدت قضية فلسطين هي الرئيسية. أما اليوم وسط الهجوم على الدولة الوطنية العربية من جانب إيران وتركيا في كل مكان؛ فإنّ القضية الرئيسية هي الدفاع عن الدول الوطنية العربية في كل مكان. فكيف لا تكون عندنا قضية، وقضية عربية شاملة، ما دامت الدولة الوطنية مهدَّدة في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين وليبيا، وأولاً وآخراً في فلسطين.
 هناك نحو 100 مليون عربي مهدّدون في أمنهم واستقلالهم الوطني من الخارج الدولي والجوار الإقليمي. وهناك من جهةٍ أخرى قضية التنمية والعيش الآمن والأبعاد المستقبلية لحياة 400 مليون إنسان وأكثر، فكيف لا يشكّل ذلك كله «قضيةً» تستحق الإيمان بها والعمل من أجلها؟!
في زمن النهوض القومي العربي، خطب جمال عبد الناصر عن «الدولة التي تصون ولا تبدّد، تبني ولا تُهدِّد، تشد أزر الصديق، وتردُّ كيد العدو.»... ما تحدث عن الإمبراطوريات، ولا عن المطامح العثمانية والمظلومية التاريخية، ولا عن التنافس والصراع للسطوة على أقاليم وشعوبٍ أُخرى. وهذا الفهم للدولة الوطنية ووظائفها وطموحاتها، هو الفهم الذي ينبغي أن يسود الآن للقضية ولمهمات ووظائف الدولة العربية الباقية، دولة الحاضر والمستقبل.

لدينا نحن العرب قضية هي أكبر قضايا المصير، الاستقلال والأمن والتنمية الإنسانية، من أجل الحاضر والمستقبل. أما الذين يتحدثون عن الافتقار للقضية، فهم أهل الأوهام والتضليل، والمعجبون بأحقاد طهران، و«هَبَل» إردوغان! ولله في خلقه شؤونٌ وشجون!

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية قضايا الأمن العربي والدولة الوطنية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab