سوريا تحدّيات الاستقرار والوحدة

سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة

سوريا: تحدّيات الاستقرار والوحدة

 العرب اليوم -

سوريا تحدّيات الاستقرار والوحدة

بقلم : رضوان السيد

تحيط التوتّرات بالداخل ومن الخارج بالنظام السوري الجديد. هناك اضطراب كبير في مناطق الساحل ومدنه، وفي نواحي جبل العرب بالجنوب. وهناك استمرار التفاوض غير المنتج حتى الآن مع الأكراد. وهناك قبل هذا كلّه وبعده الغارات الإسرائيلية الشعواء، تارةً بالداخل السوري، وطوراً على الحدود السورية اللبنانية. سورية بحاجة إلى سياسات أخرى للإدارة، وإلى رعاية العرب والأتراك.      

ما انتظر أحدٌ منّا، نحن المهتمّين منذ عشرات الأعوام بالتطوّرات في سورية وكيف تحوّل نظام الحكم فيها إلى عبءٍ على شعبها وعلى موقعها ودورها وتأثيراته السلبية، نعم ما انتظرنا أن يتمّ التغيير الجذري بدون عقبات، فقد صمد النظام السابق حتّى يئسنا من التغيير.

توقّعنا العقبات والإعاقات من إيران وأذرُعها في سورية ولبنان والعراق. ولا تقتصر على الآلاف من الحرس الثوري، بل عشرات الألوف من الميليشيات المذهبية الأفغانية والباكستانية والعراقية. ثمّ القوّة الضاربة المتمثّلة بـ”الحزب”، وقد وصلت أعداد قوّاته بسورية إلى حوالي عشرين ألفاً في بعض السنوات.

احتلّ الإيرانيون وميليشياتهم مناطق كاملة من ضواحي دمشق إلى القلمون والقصير وحمص وحلب والميادين وقسم من البادية، وقتلوا وهجَّروا واعتقدوا أنّهم خالدون إلى حدود الطمع في التغيير الديمغرافي والمذهبي. ولديهم أيضاً وأيضاً ميليشيات سوريّة علويّة وسنّية، ولديهم ولاء الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد. كلّ هذه القوّة الهائلة، التي تشكّل جيشاً لدولة متوسّطة الحجم، اختفت من كلّ الأنحاء خلال خمسين ساعة أو أقلّ. لكن كما يقال: ذهبت السكرة وأتت الفكرة. والذي يفلس يبحث في دفاتره  القديمة.

ما أعادت إيران بالطبع الميليشيات الغريبة عن سورية، بل بدأت الاستعانة بخبرات “الحزب” ومخازنه في سورية، وبالضبّاط العلويين الذين بدأوا تنظيم أنفسهم. عندهم سلاحهم الخفيف والمتوسّط، وما يجمعهم ليس المذهب وفقد السلطة فقط، بل وانسداد الأفق بعد ذهاب الجيش أو انحلاله وإمكان جمع بعض عناصره من جديد. سقط قتلى كثيرون في اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس. وذلك لأنّ التمرّد الذي حصل ما كان منظّماً وحصل قبل أوانه، خوفاً من اكتشاف السلطات الجديدة للتجمّعات السرّية. وعندما ردّت السلطات على أحداث العنف والنهب، ردّت في الأحياء التي جرى الاختباء بها فسقط مدنيون كثيرون.
ما أعادت إيران بالطبع الميليشيات الغريبة عن سورية، بل بدأت الاستعانة بخبرات “الحزب” ومخازنه في سورية، وبالضبّاط العلويين الذين بدأوا تنظيم أنفسهم

قلقٌ وخوفٌ وتهميش

أين حصل الخطأ؟ هل في حلّ الجيش السوري كما حصل في العراق، فصار الضبّاط وداعش والأفراد ميليشيات؟ أم قصّرت السلطات الجديدة في “جبر الخواطر” مع الزعامات الأهليّة، كما اقتصرت تسوياتها على الطلب من الضبّاط والميليشيات تسليم أسلحتهم أو أنفسهم إذا كانوا مرتكبين؟! قال لي “خبير” علاقات دولية من سورية إنّ حوالى خمسمئة ضابط اجتمعوا حول لواء من آل جابر وآخر من عائلة آلا دلا، لكنّهم لا يملكون السلاح الملائم بعد. والآن تتصاعد الشائعات أنّ هناك مطالب بالانفصال في بعض مناطق الساحل. وما عُرفت دعوات الانفصال عن العلويين أبداً بعد الاستقلال، وإن تحدّث بشّار الأسد وأعوانه مراراً عن “سورية المفيدة”، ويعنون بها منطقة الساحل وجبالها.

ليست مشكلة الساحل (ونصف سكّانه من السنّة) هي مطلب الانفصال أو الاستقلال. لكن بعد السطوة الكبرى منذ عام 1966 إلى أواخر عام 2024، لا يقبلون بالتهميش أو التجاهل، أو أن تسود بينهم، وهم المتسلّطون السابقون، هواجس القلق والخوف على المصير. قال لي أصدقاء منهم: لن نخضع للسنّة من جديد، وعلى أيّ حال ليس لهذا النوع من السنّة الذين تقاتلنا معهم منذ السبعينيات من القرن الماضي، وليس بيننا وبينهم إلّا قاتل أو مقتول!  فاضطُررتُ إلى القول لهم: لكنّ هناك مئات الألوف قُتلوا وملايين هُجّروا وما كانوا إلّا مقتولين ولا قتَلة بينهم! كلّ هذه الأحاديث لا تنفع، ولا بقاء بدون طمأنينة وطنيّة وإنسانية. ويحتاج ذلك إلى صبر وتفاوض وحوار وتجربة وخبرة لا يتهدّدها العنف ولا الاستقواء. هكذا كانت البداية مع بشار الأسد عام 2011 ونعرف كيف كان المجرى الفظيع والإجرامي وكيف كانت النهاية!
العراق حتّى الآن خصم للحكم الجديد. ففي السرّ يعتبر الحاكمون أنفسهم نظاماً شيعيّاً، ولا يريدون نظاماً سنّياً في سورية

المشكلة مع الدروز مشكلة مختلفة. فهم تمرّدوا على بشار الأسد في سنتَي حكمه الأخيرتين، وما جرؤ على استخدام العنف لإخماد تظاهراتهم، بل لجأ إلى الاغتيالات وأعرض عن الهجوم خوفاً من إسرائيل التي تستمتع باستخدام بعض المنتمين لهذه الفئة منذ قيام الدولة اليهودية. وعندما احتلّت  الجولان عام 1967 استولت على مناطق فيها دروزٌ أيضاً. وهي تغري دروز سورية الآن بالحماية والدويلة. وقد بدأت فئة منهم تفكّر في الحكم الذاتي، وفئة أخرى في الحماية الإسرائيلية أو الدويلة. لكنّ الأكثرية حافظت على انتمائها وعروبتها. المسألة هنا هي كيف تفكّر إسرائيل وكيف تفكّر الولايات المتحدة؟ هل يريدون تقسيم سورية وإضعافها نهائياً بالفدراليّات الواسعة؟ إذا كان التفكير كذلك فقد يتحوّل الإعراض الدرزي إلى مشكلة حقيقية. ولذلك وساطة وليد جنبلاط فرصة لسورية الموحّدة وللحكم الجديد. فها هي الفدرالية بالعراق لم تحلّ مشكلة، فكيف إذا كانت دينية أو إثنية؟!

إنّ الطريف أنّ الناحية الأكثر انفصالاً في سورية هي الفئة الكردية، التي تتحكّم بمناطق شاسعة نصف سكّانها أو أكثر من العرب السنّة. لكنّ الأكراد لا يتجبّرون لأنّهم مضطرّون إلى التخلّي عن قوّتهم الرئيسية المتمثّلة في حزب العمّال الكردستاني (التركي)، ولأنّ تركيا على رقابهم، ولأنّ الأميركيين يريدون أن يتفاوض الأكراد مع الحكومة الجديدة.

روسيا أيضاً غير مأمونة على الإطلاق. فقد كانوا يناصرون نظام بشار، وفي الوقت نفسه يسمحون لإسرائيل بالهجوم على الإيرانيين في سورية وهم حلفاؤهم. الروس ضعفوا في سورية بسبب الحرب مع أوكرانيا، لكنّهم يريدون البقاء على البحر المتوسّط، ثمّ يكون ذلك وسيلةً لمساومة أميركا، وقد يصبحون وكلاءها إذا اتّفقوا مع ترامب! الروس يبيعون ولا يشترون. ولذلك سيبقى التفاوض دائراً مع الحكم الجديد، ومستعدّون في الوقت نفسه لمجاملة إسرائيل وأميركا وإيران، وربّما تركيا.
تبقى الأولويّة في الحفظ والسلامة الداخلية على عاتق النظام الجديد. ولتثبيت الأمن والنظام لا تنفع الثوريّات ولا الانفلاتات، بل لا بدّ من التفهّم والتفاهم، واليوم قبل الغد

تفهّم وتفاهم

العراق حتّى الآن خصم للحكم الجديد. ففي السرّ يعتبر الحاكمون أنفسهم نظاماً شيعيّاً، ولا يريدون نظاماً سنّياً في سورية. ثمّ إنّ الميليشيات الحاكمة بالعراق والفصائل كان قسمٌ منها في سورية لدعم الأسد وتنفيذ تعليمات إيران. وهم الآن في الوقت الذي يزعمون فيه مناعة حدودهم، يزعمون أيضاً أنّهم يخافون من تسرّب الدواعش إليهم من سورية. وفي الحقيقة ليس لإيران سبيل للتسرّب إلى سورية إلّا من طريقهم. والاعتماد لسوء الحظ على الولايات المتحدة لمنعهم من التسرّب والاختراق إلى سورية ولبنان.

ذكرنا أبرز التحدّيات وينبغي أن نكرّر ضرورة الانتباه للخطر الإسرائيلي. وفي اجتماع دول جوار سورية بالعاصمة الأردنية يوم الأحد في 9/3/2025، عاد الأردنيّ والعراقي إلى التهويل بخطر داعش. وداعش خطر، لكنّ الأخطر بالترتيب: إيران وإسرائيل والفتن الداخلية الأخرى. والعداء الميليشياوي العراقي المتأيرن أخطر على الأمن السوري من داعش.

هل تستطيع دولة سورية الجديدة حفظ الاستقرار بدون قمع؟ وهل يستطيع العرب المتضامنون مع سورية دعمها من أجل النظام والانتظام والحفظ الوطني. هناك من يخاف من الأتراك، ولا أجد مبرّراً للخوف منهم. وهم لا يستطيعون التأثير على الأميركيين والإيرانيين. لكنّهم يستطيعون التأثير على الروس ومساعدة الإدارة الداخلية السوريّة، والتنسيق مع العرب بشأن مستقبل سورية العربية الواحدة. فالأتراك لا يريدون تقسيم سورية حتّى لا تظهر في وجههم دولة كردية. المصالح متلاقية الآن، فلا ينبغي التنكّر لها.

تبقى الأولويّة في الحفظ والسلامة الداخلية على عاتق النظام الجديد. ولتثبيت الأمن والنظام لا تنفع الثوريّات ولا الانفلاتات، بل لا بدّ من التفهّم والتفاهم، واليوم قبل الغد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا تحدّيات الاستقرار والوحدة سوريا تحدّيات الاستقرار والوحدة



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 01:44 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مقتل 4 أشخاص في هجوم روسي على سفينة أوكرانية

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

باتريس موتسيبي رئيسًا لـ كاف لفترة جديدة

GMT 12:42 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

إفطار رمضانى مع وزير الخارجية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab