فيما تمنع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزّة، وتقفل معبر كرم أبو سالم، وتوقف المفاوضات على المرحلة الثانية من وقف النار، وتنشر خطّةً أخرى لتمديد المرحلة الأولى للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، ينعقد مؤتمر القمّة العربي بالقاهرة ليؤكّد أربع مسائل:
الوقف النهائي للنار، وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار، وإدارة غزة، والذهاب إلى مفاوضات حلّ الدولتين. وإلى ذلك دعم صمود سورية ولبنان والاستجابة لمتطلّبات صمود مصر والأردن. هي مسؤوليّات كبرى على عاتق دول الخليج ودول الجامعة بعامّة. والأمل استجابة المجتمع الدولي والتأثير بالموقف الأميركي.
ينعقد مؤتمر القمّة العربي بالقاهرة هذه الأيّام. وأهمّ الموضوعات المطروحة كلّ ما يتعلّق بغزّة وفلسطين، الحاضر والمستقبل. بدأ المصريون منذ أسبوع يتحدّثون عن خطّتهم الجاهزة لإعادة إعمار غزة. وتأتي أهمّية الإعمار من أنّه ضروري جدّاً لبقاء الغزّيّين وحياتهم.
إنّما هناك عدّة أمور ضرورية أيضاً للتمكّن من التفكير في إعادة الإعمار: ماذا يحصل لمعبر فيلادلفيا الذي ما تزال إسرائيل تسيطر عليه من الجانب الفلسطيني، على الرغم من أنّها كان ينبغي أن تجلو مع نهاية المرحلة الأولى من اتّفاق وقف النار؟ ولو اعتبرنا هذا الموضوع جانبيّاً، فإنّ إعادة الإعمار تتطلّب الحديث عن “اليوم التالي”، أو مَنْ يدير غزّة؟
يقال إنّ مصر رفضت إدارة القطاع. ذلك أنّ الإدارة تتحمّل عدّة مسؤوليات: دور السلطة الفلسطينية ودور حماس والنزاع بينهما ما يزال شديداً. ولو فرضنا التوافق وهو غير متاح: من الذي يموّل إعادة الإعمار بما في ذلك على وجه الدقّة المستشفيات والمدارس والجامعات ومؤسّسات المجتمع السياسي والمدني الأُخرى ومراكز الشرطة؟!
الأوضاع في لبنان لا تبتعد عن ذلك كثيراً. فإسرائيل ما انسحبت بعد وقف النار من كلّ المواقع التي احتلّتها
بالتوازي مع هذا الجهد الذي تتحمّل أعباءه دول الجامعة، هناك الضمانات، ضمانات التدبير المالي، وضمانات الأمن الجماعي لإسرائيل لكي تقبل الانسحاب من غزة ومن مخيّمات الضفّة التي تعاني الأمرَّين. ثمّ يأتي الأهمّ، وهو مشروع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة. وبسبب الموقف الأميركي المعروف من التهجير، دول الجامعة بحاجة إلى دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسهيل الوقف الدائم للنار، وإعادة الإعمار بدلاً من التهجير.
التّدقيق بالقضيّة الفلسطينيّة
ما هو أهمّ: مَنْ هم الشركاء الذين ينبغي التواصل معهم والتأثير فيهم للسير في حلّ الدولتين؟ وهذا مع العلم أنّ الدولة العبرية لا تقبل شيئاً بشأن إزالة الاحتلال، أو التفاوض على المستقبل من هذا المنطلق. إنّ ما يجري التدقيق فيه الآن بشكلٍ من الأشكال هو القضيّة الفلسطينية برمّتها. والظروف كلّها غير ملائمة. فهناك اليمين الإسرائيلي المتحكّم بالقرار والذي لا يقبل أيّ اتّفاق على المستقبل ويطمح إلى البقاء بغزة والاستيلاء على بقيّة الضفّة الغربية. وهناك موقف الرئيس ترامب الذي يمضي إلى أبعد من موقف بنيامين نتنياهو.
مؤتمر القمّة العربي
الأعباء على العرب
إنّ هذا يعني أنّ الأعباء كلّها تقع على العرب وفي المسائل الرئيسية الأربع: ضمان الوقف الدائم للنار، وإدارة غزّة، وإعادة الإعمار، والتفاوض على حلّ الدولتين. وإذا كان الجانبان الإسرائيلي والأميركي لا رجاء فيهما إلّا بأثمانٍ باهظة، فكذلك الأمر مع الجانب الفلسطيني، سواء لجهة السلطة الشديدة الضعف، أو لجهة حماس وأقرانها الذين يتظاهرون الآن كأنّما لم يصبهم شيءٌ وغزّة بألف خير.
العرب جميعاً، وبخاصّةٍ عرب المشرق والخليج، على قلب رجلٍ واحدٍ في المسائل الأربع. ولذلك هناك أمل أن يجري اتّخاذ قرارات ملائمة للاستجابة للأوضاع الخطرة.
ينعقد مؤتمر القمّة العربي بالقاهرة هذه الأيّام. وأهمّ الموضوعات المطروحة كلّ ما يتعلّق بغزّة وفلسطين، الحاضر والمستقبل
بيد أنّه إذا كانت المسائل المتعلّقة بفلسطين قد صارت شديدة الخطورة، فالأوضاع المحيطة خطِرة أيضاً. ماذا نقول عن سورية التي تضرب فيها إسرائيل كلّ يوم، مرّة على الحدود مع الجولان، ومرّة على الحدود اللبنانية – السورية بحجّة مكافحة تهريب السلاح؟ وفجأةً هبّت إسرائيل للدفاع عن حقوق الدروز بداخل سورية، وفي الوقت نفسه تغري إيران الأكراد والعلويين بالتمرّد، وتريد من روسيا أن تبقى في حين يريد الإسرائيليون من أميركا أن تبقى.
الاختراقات في لبنان مزدوجة
الأوضاع في لبنان لا تبتعد عن ذلك كثيراً. فإسرائيل ما انسحبت بعد وقف النار من كلّ المواقع التي احتلّتها. وهي تُغير بداخل لبنان وتقتل بحجّة القضاء على قوّة “الحزب”، وأنّها ليست واثقةً من إنفاذ القرار 1701. وهكذا الاختراقات في لبنان من جانب إسرائيل مزدوجة: لجهة “الحزب” بالجنوب وما يجاوره، ولجهة سورية بحجّة مواجهة تهريب السلاح.
في كلّ ذلك تعتمد إسرائيل على تفوّقها العسكري وعلى الدعم الأميركي غير المحدود. وتتصاعد الشائعات عن إمكان الهجوم الإسرائيلي على النووي الإيراني. فإذا صحَّ ذلك فإنّ المنطقة تصبح موطناً للحروب المتنوّعة وليست موطناً للسلام الترامبيّ.
إقرأ أيضاً: القمّة العربيّة: تّشدّد مع ترامب دون مواجهته
إلى هموم العرب هذه، هناك الضغوط الأميركية والإسرائيلية على مصر والأردن في ما يتعلّق بغزّة وفلسطين أيضاً. وهي مسؤولية إضافيّةٌ على العرب وهم يحاولون العودة للقبض على الزمام. فلننتظر مؤتمر القمّة الذي مهّدت له المملكة باجتماعٍ تشاوري يوم 20/2/2025 بقيت قراراته سرّيّة بانتظار القمّة العتيدة.