ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي

ما بعد الاستشراق.. بين العلمي والاستراتيجي

ما بعد الاستشراق.. بين العلمي والاستراتيجي

 العرب اليوم -

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي

بقلم: رضوان السيد

خلال السنوات العشر الماضية تابعت جدالاً حامياً يدور بين المستشرقين الجدد والدارسين الجدد في الجامعات الأميركية، وموضوعه ماهية وهوية تخصص الدراسات الإسلامية. وقد نشرتُ مراجعةً نقديةً لوقائع الجدال بمجلة «التفاهم» العُمانية عام 2018 وأُخرى بكتابٍ صدر عن أعمال المؤتمر الذي أقامه «كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية الإسلامية» بالجامعة الأميركية ببيروت عام 2019 بعنوان: «نحو إعادة بناء الدراسات الإسلامية». أما المراجعتان الثالثة والرابعة فلقد نشرتهما بمجلة: «قراءات في كتبٍ جديدة»، التي صدر عددها الأول في شهر أغسطس عام 2022 عن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.

يدور الجدال «الأكاديمي» هذا بين حوالي العشرين أستاذاً في أقسام الدين والتاريخ والعلوم الاجتماعية والشرق أوسطية، والعربية – الإسلامية. ويظهر من محاضرات الدارسين الجدالية أنّ لها أربعة أهداف بعضها علمي/ أكاديمي، وبعضها الآخر سياسي واستراتيجي، وهي: الأصول العلمية للدراسات عن الإسلام وما هي مصادرها وطرائقها البحثية، ولماذا ما تزال تُعطى في أقسام خاصة، وليس مع دراسات الأديان الأخرى.
والهدف الثاني: تفكيك ماهيات تلك الدراسات عبر مائةٍ وخمسين عاماً، وهل كانت لها مناهج ضمن ما صار يُعرف بالاستشراق، وهل ما تزال تلك المناهج والطرائق صالحةً في الأزمنة الجديدة. والهدف أو السؤال الثالث: الأزمة التي تعرضت لها دراسات الإسلام في زمن تصاعد الأصوليات وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 وما قبلها بعشرين أو ثلاثين عاماً. والهدف أو السؤال الرابع: ماذا تعني تلك الدراسات لأميركا وفي أميركا والعالم الغربي اليوم.
وبالطبع فإنّ الذي أثار تلك الجداليات في السنوات العشر الأخيرة كثافة البحوث الجديدة عن الإسلام ومواريثه ومظاهره في التاريخ والحاضر. فما عاد أحدٌ يجادل في تاريخية العلوم الإسلامية، وتأثيراتها على أوروبا في عصر النهضة وما بعد في العلوم البحتة والتطبيقية. بل يدور الجدال على الهويات الفكرية والدينية للإسلام أو الثقافة الإسلامية في التاريخ والحاضر. القائمون على الدراسات الجديدة معظمهم عربٌ ومسلمون درسوا في أوروبا وأميركا وصاروا أساتذةً في جامعات أميركا وكندا.
وهؤلاء يترسمون ميدانين أو مجالين: مجال التاريخ الثقافي الذي تظهر فيه مخطوطات قديمة جرى اكتشافها أو إعادة قراءتها وتؤدي إلى تصورات جديدة للتاريخ الثقافي الإسلامي تخالف التصورات الاستاتيكية للمستشرقين القدامى وتناقض التصورات التي انتهجها «المراجعون الجدد» المشككون في أصول الإسلام، وفي ثقافته أو ثقافاته في قرونه الأولى. أما المجال الثاني فهو دراسات الإسلام المعاصر والذي يعيد النظر في التيارات والشخصيات في عالم الإسلام في القرنين الأخيرين، وصولاً إلى قراءاتٍ أُخرى للظواهر الليبرالية والأخرى المتشددة.
أما الذين دخلوا في جدالات مع التيارات الجديدة هذه فيشككون في علمية تلك الدراسات، ويعتبرون أنها ليست أكثر من ثنائياتٍ على الإسلام قديمه وحديثه بما يؤدي إلى تبرير للأصوليات، وتجاهل لتأزماته وجنايات ناسه العنيفين على الولايات المتحدة والعالم الغربي والعالم بعامة! وهم يعللون ذلك بأن الدارسين الجدد متأثرون بكونهم مسلمين، وما يزالون يتحدثون بلغة إدوارد سعيد والآن وائل حلاّق! ويجادلهم الدارسون الجدد بأنه لا شيء من ذلك صحيح، لكنْ من حقهم كما كان من حق «المراجعين الجدد» أن يقوموا ببحوثهم العلمية المستقلة التي تتحدى المسلَّمات القديمة والجديدة.
ما حقيقة الأمر في وقائع تلك الجداليات، وهل هو استشراقٌ جديدٌ من الطرفين أو الأطراف؟ الملاحَظ أولاً أنّ المتجادلين ينتهجون طرائق مختلفة تنهل من العلوم الاجتماعية وعلوم نقد النص والعلوم الإنسانية بعامة، وهو الأمر الذي ما كان السابقون يفعلونه أو يؤمنون به. بينما ينصرف بعض خصوم تلك الدراسات إلى سلوك الجانب الاستراتيجي، ويضعون في اعتبارهم تقلبات السياسة الأميركية في علائقها المعاصرة بالعرب والمسلمين.
والدارسون المسلمون لا ينكرون المعرفة بوقائع العصر وعلائقه، لكنهم لا يفهمون كيف يؤثر ذلك سلباً أو إيجاباً على قراءتهم لنصٍ قديمٍ أو واقعة حاضرة. هم يعتبرون الأصوليات انشقاقاً في الإسلام، ويدرسون الظاهرة أو الظواهر من هذا المنظار، الذي من المفروض أن لا يزعج الساخطين على الإرهاب.
وهذا إلاّ إذا كان غضب هؤلاء منصباً على الإسلام نفسه قديماً وحديثاً. ثم إنّ النقد الذي يوجهه الدارسون الجدد للسياسات الأميركية في الشرق الأوسط أو العالم الإسلامي، هدفه تحسين العلاقات بين أميركا والمسلمين من طريق طرح أفكارٍ جديدةٍ مع ملاحظة أنّ كثيرين من الدارسين الجدد ليسوا من العرب أو المسلمين. بيد أنّ كثيرين ممن يقرأون التاريخ الثقافي الإسلامي القديم يذهبون إلى أنه لا علاقة لدراساتهم بمجريات السياسات المعاصرة سلباً أو إيجاباً بل هو استخدام لمناهج غربية في العلوم الاجتماعية والإنسانية يجدونها الأكثر ملاءمةً لتفسير النصوص المدروسة قديماً أو غير المدروسة بوجهات نظر أخرى.
هل تكون الجدالات الجارية مثمرةً في هذا المجال أو ذاك من الناحية العلمية؟ عشرات الكتب صدرت أو ما تزال تصدر وقد لا تكون لها نتائج مباشرة في الجامعات الأميركية والأوروبية. لكنّ حقل الدراسات الإسلامية في العالم العربي يعاني بالفعل من مشكلاتٍ عديدة وأرى أنّ متابعة تلك الجدالات مفيدةٌ في مواجهة قضايا الفهم والتجديد والتغيير.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي ما بعد الاستشراق بين العلمي والاستراتيجي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 07:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab