لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير

لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير

لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير

 العرب اليوم -

لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير

بقلم : رضوان السيد

يظل تعبير «الدولة العميقة» على كل شفةٍ ولسان. لكنه «مصطلح» غامض وخلافي إذا صحَّ التعبير، وهو يعني المحافظة أو عصبية الاستقرار والاستمرار. وفي العالم الغربي؛ عالم الديمقراطيات، ينظر الليبراليون واليساريون إليه على أنه يعني سيطرة اليمين المستتر في البيروقراطية العريقة على روح الدولة وقراراتها الكبرى التي لا يمكن نسبتها إلى شخصٍ معين، هو الـ«Raison D’etat» كما يقول الفرنسيون أحياناً! بيد أنّ الصعود اليميني في أوروبا وأميركا خرّب الدلالات الأصلية للمصطلح؛ لأن اليمين الجديد، ومنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يريد تخريب «الدولة العميقة»؛ إذ يرون أنّ الليبراليين هم الذين أنشأوها بعد الحرب العالمية الثانية!

لماذا هذا الدوران حول المصطلحات؟ لأنني أحاول تكييف أو فهم المتغيرات الكبرى بالفعل التي حصلت في لبنان خلال الأيام الأخيرة. سيقول المجادلون: لكنّ انتخاب قائد الجيش للرئاسة ليس جديداً فهو الرابع أو الخامس. وأقول: لكنّ موقفه من الحراك الشعبي عام 2019 لحفظ أمن المتظاهرين وحمايتهم من تجاوزات أهل النظام عليهم، ثم خطاب القَسَم الذي ألقاه وما اكتفى فيه بالمبادئ العامة، بل ذكر كلَّ التفاصيل التي تهم المواطنين، مما يدل على جديدٍ كثيرٍ لديه يتجاوز ما هو معروفٌ عن قادة الجيوش عندما يصلون إلى السلطة.

لكنّ التغيير الكبير الذي حصل ما اقتصر على ملء الفراغ في رئاسة الجمهورية بعد حلوله قبل عامين و3 أشهر، وبرئيسٍ متميز؛ بل قد يكون الأبرز أو غير المعتاد والجديد شبهَ الإجماع من مجلس النواب على تسمية القاضي نواف سلام، ابن الأسرة السياسية العريقة، ورئيس محكمة العدل الدولية الحالي، لتشكيل الحكومة. الدكتور نواف سلام مثقف بارز وقانوني بارز. وقد كتب دائماً في مشكلات النظام اللبناني وفي ضرورات تطويره. وهو بعد أن مثّل لبنان لدى الأمم المتحدة، صار عضواً فرئيساً لمحكمة العدل الدولية. وهو إلى جانب الكاتب الكبير أمين معلوف، رئيس «الأكاديمية الفرنسية»، أبرز العلماء اللبنانيين في الخارج العالمي اليوم، بعد أن تعذر على اللبنانيين الكبار العمل السياسي والثقافي في بلدهم بسبب سيطرة النظام السوري والحزب المسلَّح على لبنان منذ آماد.

عشّاق لبنان من العرب والدوليين، وعلى مدى عقود، كانوا يتساءلون عن «روح لبنان النهضوية»: لماذا تظهر لدى نوابغ لبنان في الخارج العربي والعالمي، ولا تظهر حتى في علاقات اللبنانيين بعضهم ببعضٍ في بلدهم، كما لا تظهر في القدرة على إعادة بناء الدولة التي صدّعتْها الحروب الأهلية، وحاولت خنقها استيلاءات الخارج الإيراني والسوري.

كان الراحل الشيخ بيار الجميل عشية الحرب الأهلية (1975 - 1990) يسميها: «الصيغة الفريدة»، ويقصد بها صيغة لبنان المستقل التي اتفق عليها السياسيون اللبنانيون عام 1943 في أثناء النضال ضد الانتداب الفرنسي وعُرفت باسم «الميثاق الوطني»، وما أحبها المسلمون ولاحقاً اليساريون وصاروا يسمونها: «السيدة فريدة». قال لي البطريرك صفير في تسعينات القرن الماضي: إن لم تحبوا مصطلح «الصيغة»، فاذكروا «الميثاق الوطني» و«العيش المشترك»! لكنّ الذي حصل خلال الأيام الأخيرة يحصل في الحقيقة للمرة الرابعة: «اتفاق الطائف» و«الدستور» و«وثيقة الوفاق الوطني» عام 1989 في المملكة العربية السعودية، و«ثورة الأرز» بعد استشهاد رفيق الحريري عام 2005، و«ثورة الجمهور» عام 2019، و«حركة التغيير» في انتخاب العماد جوزيف عون والدكتور نواف سلام في مجلس النواب أخيراً. العماد حصل على 99 صوتاً من 128، وسلام حصل على 84 صوتاً من 128. هل يعني هذا، كما أمَّل العرب والدوليون، وجود وظهور روح لبنان أو دولته العميقة التي كافحت وظهرت وانتصرت سلماً رغم كل الظروف المعيقة والمحيطة؟ الأمر كذلك. ففي كل المحاولات كان المسعى الدائم باتجاه «الإجماع» أو كما يسميه اللبنانيون: «الوحدة الوطنية». وإذا كانت هناك قيود على رئاسة الجمهورية لعوامل خارجية وداخلية؛ فإنّ رئيس الحكومة والحكومة التي يشكّلها والتي تتولى السلطة التنفيذية أو الإجرائية وفق «دستور الطائف» هي المؤسسة الأكثر حراكاً وديمقراطية في النظام. فمجلس النواب في الاستشارات الملزمة هو الذي يختار رئيس الحكومة، وهو الذي يستطيع سحب الثقة منه، أما المنصبان الآخران الكبيران؛ رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، فهما ثابتان: 6 سنوات للرئيس، و4 سنوات وأكثر لرئيس مجلس النواب!

لا شكّ بعد اليوم في روح لبنان ودولته الوطنية العميقة. وإذا كانت المناصب لا يحصل عليها أصحابها في لبنان بالبرامج المعلنة، فالاستثناء هذه المرة أنّ الرئيس أعلن عن برنامجه في خطاب القَسَم، ورئيس الحكومة أعلن عن برنامجه في كتابه الصادر عام 2021 بعنوان: «لبنان بين الأمس والغد». ولأول مرة سيخرج الاثنان عن تقليد الصراع على الدستور والصلاحيات كما فعل الرئيسان السابقان إميل لحود وميشال عون. فالسلطة شراكة كاملة وفق نص الدستور وروح الميثاق الوطني. وتبقى صعوبة «الثنائي الشيعي» الرافض للتغيير، وهي صعوبةٌ يمكن تذليلها بإرادة الوفاق، وإرغامات رياح التغيير بالمنطقة. والمسائل الكبرى لا تُفهم بِعدِّها كميناً كما قال نائب «حزب الله» محمد رعد، ولا باعتبار التضاد بين «الميثاقية» و«العيش المشترك»، كما قال أيوب حميد عضو كتلة الرئيس نبيه بري. إنها روح لبنان المنتصرة بعد طول غياب!

arabstoday

GMT 13:47 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

العالم وفقاً لبرج ترمب

GMT 13:43 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

حول اتفاق غزة

GMT 13:38 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

عون – سلام: نهاية 50 عاماً من الوصاية

GMT 13:36 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

لِمَ لا يتم الكشف عن أسماء الفاسدين!

GMT 13:34 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

المستقبل بعد الشريحة الدماغية

GMT 13:31 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

هل تغير غزة حظ المنطقة؟

GMT 13:27 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

الصراع بين الـ«ديليت» والـ«سكرين شوت»!

GMT 13:26 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

أول يوم موالاة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير لبنان بين «الدولة العميقة» وإرادة التغيير



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 14:09 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تعلن رغبتها في الابتعاد عن الوسط الفني
 العرب اليوم - فيفي عبده تعلن رغبتها في الابتعاد عن الوسط الفني

GMT 02:58 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب محافظة بوشهر جنوب ايران

GMT 13:47 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

مخترقون يستهدفون مستخدمي iPhone بهجمات إلكترونية جديدة

GMT 02:56 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

الجفاف المتزايد يؤجج حرائق كاليفورنيا

GMT 11:47 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

ليلى علوي تُصدم بعد أسبوعين من عرض "المستريحة"

GMT 02:46 2025 الجمعة ,17 كانون الثاني / يناير

مقتل 11 شخصًا في هجوم للدعم السريع بقرية الخيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab