إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة

إيران والتفاؤل... والفرضيات المضلّلة

إيران والتفاؤل... والفرضيات المضلّلة

 العرب اليوم -

إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة

بقلم - إياد أبو شقرا

التفاؤل حق طبيعي لأي إنسان. ولا بأس في الظروف السياسية الحرجة من جرعات تفاؤل تُضخّ أحياناً... كي تخفّف من الإحباط هنا، و«جَلد الذات» هناك!

لا مشكلة أبدا مع التفاؤل، حتى حيث لا توجد مبّررات قوية له، لكن ثمة مشكلة عويصة عندما يتحوّل التفاؤل إلى أوهام تُبنى عليها فرضيّات كاذبة ومكلفة استراتيجياً...

في لبنان، كما في بضع دول عربية تعيش مثله «الحالة اللبنانية»، ما عاد من الحكمة التعامل مع الأزمات بـ«القطعة»، أي بمعزل عن المؤثرات الإقليمية، ومن ثم، موازين القوى والاعتبارات الدولية الكبرى... الوازنة في حسابات اللاعبين الإقليميين.

إذ لا يزال مستمراً إلهاء الناس بمهزلة «انتخاب» رئيس جمهورية، والتفنّن في المناورة وطرح أسماء «مرشحين» لغايات تضليلية، أو تمهيداً لإحراقها وإخراجها من التداول.

ولكن إذا كانت لدى اللبنانيين أعذار تخفيفية في بناء الأوهام ومُراكمتها - وسط عبثية تعاملهم المزمن مع معاناتهم المعيشية -، فلا توجد أي أعذارٌ للقوى العليمة ببواطن الأمور عندما تضطلع بمساعٍ حميدة لإنهاء الجمود وإيجاد الحلول.

حتماً، تدرك هذه القوى طبيعة المشكلة التي وافقت على المشاركة في معالجتها، غير أنْ ليس كلها يتصرف بصراحة وصدق ونية مخلصة عندما يطرح «مبادراته»، ويطلق «تصورات» من فوق تتجاهل الواقع «على الأرض».

ولنتكلم هنا بصراحة.

إن الدوران في حلقة مُفرغة على وقع المبادرات الأممية والإقليمية، كما اكتشفنا منذ بضع سنوات، لا يقتصر على لبنان.

المنطقة برمتها تجد نفسها في قلب الحلقة المفرغة هذه، بينما تتبدّل أولويات القوى العالمية الثلاث روسيا والصين والولايات المتحدة، وفيما بينها، مع مرور كل يوم وكل تطور جيواستراتيجي، من أوكرانيا إلى مضايق تايوان... ومن احتكاكات مضيق هرمز البحرية إلى مغازلة الهند على أعلى المستويات في الغرب.

ومن المشهد العالمي، إلى الكيانات العربية التي تعيش «الحالة اللبنانية»؛ حيث إذا اختلفت التفاصيل يظل الجوهر نفسه تقريباً.

نحن حقاً بصدد لاعب إقليمي مؤثر جداً اسمه إيران، يتلاعب بمقدرات المنطقة ويضبط إيقاع أتباعه في كياناتها، بلا حسيب أو رقيب. ولقد ألغى نظام طهران في كيانات «الحالة اللبنانية»، عملياً، مفاهيم السيادة والمواطنة والاستقلال ومؤسسات الدول وروح الدستور وحكم القانون.

«الدولة» في هذه الكيانات صارت، بحكم الأمر الواقع، نسخة «طبق الأصل» من النموذج الأصلي الإيراني؛ حيث مكانة الرئيس والحكومة دون شرعية سلطة «الولي الفقيه»، ودور «البرلمان» أقل فاعلية من نفوذ مرجعيات «الملالي» ومجالسهم، وحيث القوة العسكرية الضاربة من نصيب ميليشيا «الحرس الثوري» في بنية عسكرية... الشريك الأصغر فيها القوات المسلحة الرسمية!

هذا، بالضبط تقريباً، ما نراه اليوم في لبنان والعراق واليمن، وإلى حد ما في سوريا أيضاً. ولمزيد من التوضيح، وفق النموذج الإيراني، فإن «الدولة» كما هي معروفة ومتعارف عليها في الدول السويّة، أضحت مجرد «واجهة للعلاقات العامة»... وضابط ارتباط مع حكومات العالم غير الخاضعة للحكم الميليشياوي.

من جهة أخرى، لفترة ما سمعنا كثيرا عن أن نظام طهران في «مأزق»، وأن المواطن الإيراني يئن ويتعذب.

سمعنا، وبعضنا صدّق وجود «المأزق».

بل إن ثمّة مرجعيات غربية تدّعي المعرفة والخبرة شجّعت على الترويج لهذا الوهم، بينما كانت تتفاوض مع نظام طهران فوق الطاولة وتحتها للإفراج عن أرصدته، أو تسعى لعقد صفقات مالية ونفطية واستثمارية معه، متجاهلة تماماً مشروعاته الديموغرافية و«احتلالاته» الفعلية.

ثم إن هذه المرجعيات تعي تماماً أنه حتى إذا كان المواطن الإيراني، بالفعل، يئن ويتعذب، فما يعيشه لا يدخل مطلقاً في اعتبارات مشروع حاكميه و«حرسه الثوري» وحساباتهم المتسترة بزي الدين والمذهب.

وهذه الحقيقة ما غابت يوماً عن بال الشارع الإيراني منذ قمع «الانتفاضة الخضراء» عامي 2009 و2010، عندما كان المواطنون يهتفون ضد تدخل «حرسهم الثوري» في كيانات المنطقة وإنفاق نظام «وليهم الفقيه» مليارات الدولارات على الحروب وميليشيات القتل والهيمنة... بينما تعاني عائلاتهم من الفقر والحرمان وكتم الأنفاس ومصادرة الحريات والحقوق. وبالتالي، فإن المشروع الذي بوشر بتطبيقه منذ 1979 لن يتوقف في المستقبل المنظور بوجود النظام الحالي.

لقد استثمر «الملالي» كثيرا منذ 1979. وعليه، فسيكون من العبث - بل الغباء - تخيّل إمكانية «تغييرهم» سلوكهم بـ«سياسة عصا وجزرة» أثبتت فشلها عشرات المرات، من مسلسل المفاوضات النووية إلى «رعاية» الإرهاب المذهبي... ووصولاً إلى «حرب الكبتاغون»!

لذا، حلول الأزمات الإقليمية، بما فيها أزمة الحكم في لبنان، لا بد أن تنطلق من تصوّر لواقع إقليمي جديد تخرج فيه المنطقة من تحت عباءة الاحتلالات، بما فيها الاحتلال الإيراني. أما المضي قدماً في التجاهل والتذاكي والتمويه، فلن ينتج سوى مفاقمة لنتائج الصراع العربي - الإسرائيلي وتعميم المأساة الفلسطينية وتداعياتها في معظم المنطقة.

إن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة قد تحمل لمنطقتنا مزيداً من التعقيدات إذا واصلت القيادات الإقليمية والعالمية سياسات الهروب إلى الأمام في عالم أقل طمأنينة، وأضعف ثقة، وأخطر شعبوية، وأقل تسامحاً، وأعجز عن التفاهم على قواسم مشتركة وسياسات عاقلة.

ويكفي النظر إلى الأجواء التي خلقتها الحرب الأوكرانية، التي أسقطت ما كان «شبه مسلّمات» في حسابات الردع الدولية.

ما حدث في أوكرانيا، كما يؤشّر سير الأحداث، قد يتكرر في أماكن أخرى من العالم، وأيضاً مع قوى تجد صعوبة في التفاهم... وصعوبة أكبر في التعلم!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة إيران والتفاؤل والفرضيات المضلّلة



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:17 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يوافق على توجيه جزء من عائدات كأس العالم 2026 لدعم غزة
 العرب اليوم - فيفا يوافق على توجيه جزء من عائدات كأس العالم 2026 لدعم غزة

GMT 08:09 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية تضرب في السعودية بقوة 4 درجات على مقياس ريختر

GMT 15:55 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

تعليقات ترامب حول مقتل روب راينر تثير غضب الجمهوريين

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الذهب على أعتاب رقم قياسي والفضة عند أعلى مستوى في تاريخها

GMT 18:17 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

عثمان ديمبلي يتوج بجائزة ذا بيست لأفضل لاعب في العالم

GMT 09:20 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

انفجارات عنيفة في كييف وإعلان حالة الإنذار الجوي

GMT 09:50 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 - 12- 2025 والقنوات الناقلة

GMT 12:35 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

بريطانيا تسجل أعلى عدد ساعات سطوع شمس في تاريخها عام 2025

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء احتفالات رأس السنة في سيدني بعد الهجوم الإرهابي

GMT 08:12 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور المشهورة بـ"فيحاء"

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأوكراني يقصف مصفاة نفط روسية في كراسنودار

GMT 08:04 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة إسرائيلية تلقي مواد متفجرة على أطراف حولا في لبنان

GMT 08:07 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مصر تعلن مقتل 14 من مواطنيها إثر غرق مركب قبالة سواحل اليونان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab