لبنان والعراق في مركب واحد

لبنان والعراق... في مركب واحد

لبنان والعراق... في مركب واحد

 العرب اليوم -

لبنان والعراق في مركب واحد

إياد أبو شقرا
يقلم - إياد أبو شقرا

لست واثقاً بالمطلق من مدى معاناة النظام الإيراني بعد اشتداد الحصارين الاقتصادي والسياسي - الأمني الأميركي عليه، لكنني حتى اللحظة لم ألمس تغيراً في مقاربة طهران للمشهد الإقليمي.
خبراء اقتصاديون أحترم آراءهم أكدوا لي خلال الأسبوع أن الوضع الاقتصادي في إيران نفسها، ناهيك من «مستوطناتها» العربية، سيئ حقاً... ومن المستحيل فصل الواقع السياسي عن التأزم الاقتصادي والمعيشي.

في أي حال، ثمة تشابه لافت في «السيناريوهين» العراقي واللبناني رغم وجود فوارق كبرى بينهما. ولعل بين الفوارق الأبرز: عدد السكان في البلدين، والثروات الطبيعية، والموقع الجغرافي... حيث يتاخم العراق كلاً من إيران وتركيا بينما يتاخم لبنان إسرائيل وسوريا. لكن عناصر التشابه مهمة للغاية، وهي تشكل أساس مقاربة طهران شبه الموحّدة للبلدين اللذين يعلن حرسها الثوري - باعتزاز - احتلالهما وتبعيتهما له.

في رأس عناصر التشابه وجودٌ مؤثِّر للحاضنة الطائفية الواحدة... أي الطائفة الشيعية، وكان هذا الوجود مسألة حيوية في مخطّط تصدير الثورة الخمينية. المعروف أن نسبة السكان الشيعة العرب في كل من العراق ولبنان من أعلى النسب في العالم العربي، ولقد عملت طهران على اختراق البيئتين الشيعيتين العراقية واللبنانية منذ بعض الوقت مستنهضة علاقات تاريخية قديمة، ومستفيدة من حالات تهميش سياسي واجتماعي متنوّعة الأوجه حديثة العهد. ولقد كان رهان طهران كبيراً جداً، وظنّت لبعض الوقت أن نتيجته لمصلحتها محسومة... إلى أن تبيّن لها أن حساباتها ما كانت دقيقة.
لقد جاءت انتفاضة العراقيين شُجاعة وواسعة عمّت كل المحافظات الشيعية بلا استثناء. وبلغت أوجها ليس فقط في استهداف مؤسسات ذات رمزية خاصة للنظام الإيراني (قنصليات ومكاتب لحزب الدعوة والتنظيمات المرتبطة بـ«الحرس الثوري») في النجف وكربلاء، بل في اعتصامات ومظاهرات حاشدة تمتد من قلب بغداد إلى البصرة، ومن العمارة إلى الناصرية مروراً بالحلة والديوانية.

ورغم فنون القمع، التي تتراوح بين القنص والاغتيال ومحاولات قوى الأمن والميليشيات فك الاعتصامات بالقوة، استطاع المتظاهرون الصمود أو إعادة التجمع واستعادة الشوارع والساحات... رداً على مكابرة السلطات ورفضها الاستجابة للمطالب الشعبية. والظاهر أن السلطات، المعتمدة كلياً على دعم طهران، نسيت أو تناست أن الشارع العراقي الذي تتعامل معه يثور لأسباب مطلبية ووطنية، ويضم جيلاً شاباً ساخطاً على الفساد وأيضاً الهيمنة الإيرانية، ولذا ما عاد ممكناً تخويفه بـ«داعش» أو تذكيره بحكم البعث وصدام حسين.

نعم، نهب العراق وإخضاعه بالتبعية الطائفية العمياء لا علاقة لهما بـ«داعش» ولا بصدام...

في لبنان أيضاً، راهنت إيران على الطائفية، واستغلت الحرب اللبنانية (1975 - 1990) لبناء «حزب الله»... أقوى ميليشياتها وأكثرها تطوّراً على مستوى الشرق الأوسط عبر السفارة الإيرانية في دمشق. واليوم، يحكم «حزب الله» لبنان بقوة السلاح واستغلال نظام طائفي فاسد ضعيف الولاء لمفهوم الدولة. وأكثر من هذا، يؤدي «الحزب» دوره الإقليمي باسم طهران، من شمال سوريا إلى وسط اليمن. ولكن، في غمرة النشوة بالهيمنة المطلقة، ولا سيما بعد فرض الحزب مرشحه رئيساً للجمهورية، وحصوله على نظام انتخابي أمّن له وضع اليد على البرلمان، ها هو يكتشف حدود قدراته، ويلاحظ أن هالة الجبروت ما عادت تخيف المواطن الشيعي الطامح إلى عيش كريم في مجتمع سليم وصحي ومنفتح. ما عاد الشيعي في جنوب لبنان وبقاعه، وحتى في ضواحي بيروت الجنوبية، يتردد في إطلاق الصوت والتظاهر والاعتصام... رغم التخويف والقمع.

أيضاً من عناصر التشابه وجود أخطاء في ممارسات النخب السنّية الحاكمة سابقاً، منها: السلبية وسوء القراءة والتقدير، وقلة الاكتراث، والرهان على الخارج في الاحتفاظ بامتيازات في عالم متغيّر. في كل من العراق ولبنان أخطأت القيادات السنّية غير مرة، من غزوها الكويت... إلى غضّها الطرْف عن دور النظام السوري في لعبة «فرّق تسُد» بين اللبنانيين، والموافقة على احتفاظ «حزب الله» بسلاحه بعدما نزَعت كل الميليشيات اللبنانية الأخرى أسلحتها بموجب «اتفاق الطائف».

لقد خدمت مغامرة غزو الكويت مخطّط إيران - المدعوم إسرائيلياً - في القضاء على مؤسسات الدولة العراقية، وفي طليعتها الجيش والإدارة الحكومية. وأدّت إلى تسليم العراق لأتباع ملالي إيران وميليشياتهم. وفي لبنان نشأت، أمام سكوت القيادات السنّية، «دويلة» إيرانية الهوى والولاء برعاية كاملة من نظام دمشق... وهي منذ 2006 تبدو متعايشة تماماً مع إسرائيل!

عنصر التشابه الثالث المهم... هو وجود لاعب ثالث كبير مؤثر، خارج الانقسام الشيعي - السنّي، هو اللاعب الكردي في العراق واللاعب المسيحي في لبنان.

القيادات الكردية في العراق لم تنسَ سنوات العداء والمواجهات الميدانية مع النظام البعثي السابق، لكنها في المقابل تعرف إيران، وتفهم أن موقف طهران من فكرة «الاستقلال الكردي» لا يختلف تاريخياً عن موقفي أنقرة وبغداد. ولذا، رغم ارتكاب القيادات الكردية عدة أخطاء تكتيكية، فإنها نأت بنفسها و«إقليمها» الذاتي الحكم عن المجابهة الشيعية - السنّية. بل بسبب التعلم من أخطائها التكتيكية، يبدو أنها الآن تميل إلى «استراتيجية النَّفس الطويل» بانتظار جلاء الوضع الإقليمي وموقع الأكراد فيه.

العكس تماماً حدث في لبنان. إذ انقلب «التيار الوطني الحرّ» بقيادة العماد ميشال عون على شبه الإجماع المسيحي، وعلى التفاهم العريض المسيحي - السنّي - الدرزي الذي أسهم في خروج الجيش السوري من لبنان في أعقاب اغتيال رفيق الحريري عام 2005، ومن ثم، اختار عون في فبراير (شباط) 2006 التحالف مع «حزب الله» - عبر «تفاهم مار مخايل» - والاستقواء به من أجل ضمان ترشيحه إياه لرئاسة الجمهورية أولاً، وثانياً انتزاع ما يعتبرها «مكتسبات السنّة من اتفاق الطائف من رئيس الحكومة السنّي وإعادتها لرئيس الجمهورية المسيحي». ومنذ ذلك التاريخ، غطّى قطاع واسع من الشارع المسيحي، يمثله عون، تجذّر المخطط الإيراني وضم لبنان إليه... على الرغم مما يحمله هذا الغطاء من تهديد لمصالح المسيحيين ومستقبلهم في البلد.

وهكذا، سار رهان التيار العوني باتجاه معاكس تماماً لرهان أكراد العراق، إذ بينما نأى الأكراد بأنفسهم عن الخوض في الصراع الشيعي - السنّي... زجّ التيار ومؤسّسه المسيحيين اللبنانيين فيها بعكس مصلحتهم!

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والعراق في مركب واحد لبنان والعراق في مركب واحد



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 11:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان
 العرب اليوم - حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 06:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 العرب اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 14:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هند صبري تكشف سر نجاحها بعيداً عن منافسة النجوم

GMT 07:39 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 20 فلسطينياً في وسط وجنوب قطاع غزة

GMT 18:37 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت التعليق على الطعام غير الجيد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab