هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران

هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران؟

هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران؟

 العرب اليوم -

هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران

إياد أبو شقرا
يقلم - إياد أبو شقرا

ثمة مثل غربي مقتبس من مقولة لأرسطو هو «عبور طائر سنونو واحد لا يعني بالضرورة أن الصيف جاء». وهذا ينطبق تماماً على عالم السياسة، وبخاصة، على تعامل المجتمع الدولي مع النظام الإيراني منذ عام 1979، بل، توخيّاً، لمزيد من الدقة، منذ غزو العراق لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، والترحيب بملالي العراق اللاجئين إلى إيران وميليشياوييهم السابقين المقاتلين مع جيشها!

بول بريمر، «حاكم العراق» الأميركي بين ربيع 2003 وربيع 2004. قالها بصراحة خلال لقاء صحافي بعد فترة وهو أنه أنهى هناك «تسلط السُنة على الحكم» لقرون. وبالمناسبة، بريمر الذي يعتز بهذا «الإنجاز» ما كان مستشرقاً ولا خبيراً في تاريخ الإسلام أو الشرق الأوسط، وعليه، لا يعرف أن لا حدود ثابتة للعراق... أو أي كيان آخر ولد في الشرق الأوسط عام 1920 بعد تعاقب الإمبراطوريات والممالك والانتدابات.

الرجل كان فقط دبلوماسياً ورجل أعمال جمهورياً يمينياً عمل مديراً لمؤسسة هنري كيسينجر الاستشارية، وأوكلت إليه مهمة إدارة الاحتلال وتدمير بنية الدولة العراقية والجيش العراقي تحت شعار «اجتثاث البعث». ولعله استحق عن جدارة ما قاله عنه نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري السابق، إنه «أكبر كارثة في السياسة الخارجية الأميركية خلال العصور الحديثة!».

المهم، ما حصل قد حصل... وسلّم بريمر - ومن خلفه إدارة الرئيس جورج بوش الابن و«صقور» البنتاغون - العراق على طبق من فضة إلى إيران. وكانت واشنطن، قبلُ، قد كافأت حافظ الأسد - أخلص حلفاء ملالي إيران في المشرق العربي - اعترافاً بتعاونه إبان حرب تحرير الكويت (1990 - 1991)، بإطلاقها يده مجدداً في لبنان، وتسليمه وأجهزته الأمنية أموره.

لبنان والعراق سُلما إذن للإيرانيين تسليم اليد. ورغم اختلاف اللون الحزبي في واشنطن بدخول باراك أوباما البيت الأبيض، واصلت واشنطن، ومن خلفها دول أوروبا الغربية، «حسن الظن» بحكام طهران... وتقديم الهدايا السياسية والجغرافية لهم.

ففي عهد أوباما أهملت واشنطن «الخطوط الحمراء» وغضّت الطرْف عن تدخل «الحرس الثوري» الإيراني لدعم نظام آل الأسد في سوريا، وتقبّلت انقلاب الحوثيين في اليمن... الذي يعني إكمال طهران نظرياً السيطرة على اثنين من المسارات البحرية الاستراتيجية الثلاثة في الشرق الأوسط، أي مضيق هرمز وباب المندب (الثالث طبعاً، قناة السويس).

غير أن الهدية الأثمن جاءت من إدارة أوباما وتمثّلت بالاتفاق النووي الإيراني - الغربي، الذي أسّس عام 2015 لحلف أميركي - أوروبي - إيراني يتجاهل احتلال طهران الفعلي لأربع دول عربية، مقابل «تأجيلها» الاستحواذ على السلاح النووي.

بكلام آخر، تحقيق الغاية من السلاح... من دون الحاجة لاقتنائه والتلويح باستخدامه.

ولكن اليوم، بعد مرور نصف عقد على توقيع هذا الاتفاق، بدأت تظهر تشقّقات تهدّد ما أنجزته إيران بفضل ازدواجية احتلالات «الحرس الثوري» و«عصاه الغليظة» من جهة، والدبلوماسية الناعمة لـ«لوبياتها» و«أدعياء الإصلاح» فيها من جهة ثانية...

بين مجازر قاسم سليماني وتفنّنه في ابتكار «الفزّاعات» السنيّة «القاعدو – داعشية» ورعايتها ودعمها لوجيستياً، ومناورات حسن روحاني وجواد ظريف وأبواقهما الإعلامية في ردهات عواصم القرار في الغرب.

انتخاب دونالد ترمب، وصعود اليمين الانعزالي المتشدّد في أوروبا أيضاً، كانا لهما دور في التغيير. والمفارقة الكبرى أن تدفّق اللاجئين الفارين من أوطان يحتلها ويدمرها سلاح ميليشيات إيران وأولئك الذين ساعدت على تصنيعهم وتغذيتهم من «دواعش»، كان من أهم العوامل التي أسهمت في صعود هذا اليمين المتشدّد.

وكما نتذكر جيداً، كانت الخطوة الأولى انقلاب ترمب على الاتفاق النووي، وهو انقلاب تأخّر الأوروبيون في التجاوب معه. ثم في وقت سابق من هذا الشهر جاءت الخطوة الثانية... وهي تصفية قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» و«الحاكم العسكري الإيراني» للدول العربية التي يتباهى «الحرس الثوري» باحتلالها والتحكّم بها.

خلال نصف العقد، أيضاً حدثت تغيّرات نوعية في العراق ولبنان وسوريا. إذ فاض الكيل بالعراقيين، وتحديداً بشيعة العراق، من التعالي والتحكم الفوقي لطهران وأزلامها من الميليشياويين وتبعيتهم وفسادهم.

كذلك، ما عاد ممكناً للبنان، وهو وطن ازدهر بفضل قطاع الخدمات والسياحة والانفتاح، أن يعيش «انفصاماً» سياسياً - اقتصادياً تنقسم فيه هويته بين «النافذة على العالم» وحضاراته... والميليشيا الدينية المذهبية المحتلة التي تعيش على غسل الأموال.

ما عاد ممكناً أن يكون بلداً سوياً في ظل تفاقم النفاق الاجتماعي والتكاذب الطائفي والنهب الاقتصادي والاستغلال العشائري والتلوث البيئي... وهي كلها آفات تسرّع وتيرة هجرة الكفاءات وإفلاسات المؤسسات وانهيار ما تبقى من شبكات الأمان!

حتى في سوريا، أدى رفض واشنطن التساهل مع دعوات التعجيل بإعادة تأهيل نظام الأسد، إلى تأخر ضخّ الأموال المطلوبة في السوق المحلية التي تعاني أصلاً من الفساد والمحسوبية وآثار الحرب. كذلك أدى موقف واشنطن إلى «تمايز» بين المصالح المباشرة للروس والإيرانيين، وطرح علامات استفهام حول مستقبل المسارين السياسي والأمني في سوريا. وهذا، في ظل التقاسم بين شمال شرقي البلاد حيث النفوذ الكردي، وشمال غربها حيث الوجودان الروسي والتركي، وغموض «سيناريو» جنوبها... على مقربة من حدود إسرائيل.

اليوم في سوريا حكم عاجز، يحكم الآخرون نيابة عنه، «دولة» بالاسم فقط. أما في العراق ولبنان، فقد استقالت حكومتان تحت ضغط انتفاضة الشارع، بعدما أفلستا وتعذّر (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) تشكيل حكومتين بديلتين رغم الهيمنة الأمنية العسكرية لأتباع إيران، أي «الحشد الشعبي» و«حزب الله».

لقد دمّرت الهيمنة الإيرانية نسيج الدول الثلاث، وحالت دون نشوء بيئات سياسية سليمة قادرة على التحاور والتفاهم، سواءً كان في الداخل أو الخارج.

وبالتالي، في ضوء هذه الحقيقة، ماذا يعني تغيّر الموقف الدولي من هذه الهيمنة؟

وماذا يعني تغييب قاسم سليماني ورمزيته السياسية الفظيعة؟

وماذا يعني التشدّد الأخير إزاء «حزب الله»؟

هل سيعتمد المجتمع الدولي سياسة استراتيجية متماسكة واعية وحازمة إزاء التلاعب المستمر... أم سيعود إلى إرسال الإشارات المتناقضة والمُلتبسة إلى طهران التي أوصلت المنطقة للوضع الكارثي الحالي؟

الخيار الأول، من دون أدنى شك، من مصلحة الجميع.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران هل اتخذ القرار الدولي باحتواء خطر طهران



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab