تايوان «أوكرانيا الصين»

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

 العرب اليوم -

تايوان «أوكرانيا الصين»

بقلم - إياد أبو شقرا

بمجرد بدء روسيا عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا، انطلقت التخمينات إزاء ما يمكن أن يحدث عبر مضيق تايوان، الفاصل بين الصين وتايوان (فورموزا).
السبب مفهوم لكل مراقب سياسي يفهم ما يعنيه سقوط «الخطوط الحُمر» في عالم مضطرب هاجس قياداته الطموحة «تصحيح أخطاء التاريخ» والاعتذار من «العزة القومية» المسكوت عنها طويلاً.
من الحكم المنسوبة إلى الحكيم الصيني القديم لاو تزي قوله: «أعظم المقاتلين لا يغضب أبداً». وحقاً، في ثقافات عدة إشارات إلى «الحِلم» وما فيه من فضائل كظم الغيظ واحتواء الغضب وحسن التصرف، بجانب دقة التوقيت واختيار الخصوم وانتقاء ميادين قتالهم. ولكن، طبعاً، لا يتحلى كل أهل السياسة بهذه المزايا، ولا كل الظروف تتيح لهم حرية الحركة.
مع انتهاء «الحرب الباردة» بمنتصر وخاسر، كانت ثمة موازين قوى فرضت نفسها إلى حين على امتداد العالم. ولئن كان الغرب المنتصر قد سارع إلى الاحتفاء بنصره الكبير، وتعجل بعض مفكريه الكلام عن «نهاية التاريخ» و«صراع الحضارات»، فإن ثمة حقائقَ وقناعاتٍ ظهرت، وظُلاماتٍ عديدة كُتمت وأجلت استحقاقاتها في ظل اختلال ضخم في ميزان القوى.
لأسباب ذاتية وموضوعية لم يتواكب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق قطب الشيوعية في الغرب مع حالة الصين، قطبها الآخر ومدرستها الأخرى، في الشرق. فالصين حالة حضارية وروحية واجتماعية واقتصادية معقدة جداً... وتختلف اختلافاً جوهرياً عن تكوين الحالة الروسية.
ثم إنه بينما كانت التجربة السوفياتية تتصخر وتترهل وتشيخ، كانت الصين تعيش حقبة «تبدل» الأجيال بتغييرات جذرية. ولقد بدأت هذه التغييرات مع «معركة» خلافة ماو تسي تونغ بـ«ثورة ثقافية» شبه انتحارية... ولم تنتهِ بـ«انقلاب براغماتيكي» أعاد تعريف الاشتراكية والقومية والمستقبل، وأطلق قدرات مكبوتة كان يعرفها كثيرون في «المارد الأصفر النائم».
مع هذا، وبمرور الزمن، ركدت مياه التغيير المضطربة، وبزغ واقع عالمي جديد، له موازينه، ومحظوراته، وطموحاته... وأيضاً «خطوطه الحُمر». ولئن سقط مفهوم «الشيوعية الكلاسيكية» التي ارتبطت بسادة الكرملين، وتداعى معه «حلف وارسو» و«جدار برلين»، فقد نهض من رماد هذا المفهوم «طائر فينيق» قومي استفاد من انهيار «الثنائية القطبية - على الأقل - في الغرب. وكما نعرف، لم يتوقف الأمر، عند إعادة توحيد ألمانيا بعد تداعي جدار تقسيمها، بل كبُر «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) وأخذ يتمدد داخل أراضي «حلف وارسو» غريمه اللدود.
هكذا تغير مفهوم الردع، وأعيد تعريف العداوات وتنظيمها.
أيضاً انتهى توجيه الأنظار إلى «العدو» الخارجي المشترك بسقوط ذلك العدو في «حرب أممية». وبانتهاء المشاريع «الأممية» اندلعت «حروب هويات» داخلية، وتفاقمت في دول مثل إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا غرباً، مثلما ذرت بقرنها في يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا السابقتين. وكما أن مُسلّمات أوروبا تغيرت كثيراً، كذلك تبدلت مسلّمات عديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي برز بديلان توليا السلطة في مناطق هيمنته، سواء في الكيانات الوليدة السوفياتية سابقاً... أو الدول المجاورة في أوروبا الشرقية:
الأول، شكله القادة الشيوعيون المخضرمون الذين غيروا بسهولة زيهم وشعاراتهم، وركبوا - بفعل نفوذهم المحسوبياتي وخبرتهم التنظيمية «الأباراتشكية» - موجة التغيير. وشاهدنا هذا بوضوح في جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز.
والثاني، قاده اليمين القومي المسيحي المدعوم إما بالكنيسة وإما بالقوى الغربية. وهو الذي تولى السلطة في الكيانات الكاثوليكية والبروتستانتية البعيدة من حيث الولاء الديني عن موسكو. وهذا ما حصل في جمهوريات البلطيق وبولندا والمجر وكرواتيا وتشيكيا وغيرها. وحالياً تُعَد حكومتا بولندا والمجر الأكثر تطرفاً يمينياً في عموم أوروبا.
هذا الواقع ترك آثارَه على رد فعل روسيا الجريحة بعد فترة قصيرة من طي مرحلة «وسيط الانهيار» بوريس يلتسين، وصعود فلاديمير بوتين. بوتين ابن المؤسسة الأمنية كان الشاهدَ الغاضبَ على رفض الغرب الاكتفاء بما حققه على الأرض، بل قرر أيضاً تجريد روسيا من شقيقتها «السلافية» أوكرانيا التي هي «خط دفاعها الأكبر» في وجه مد نفوذ الغرب شرقاً.
كثيرون يرون أنه بهذه الخطوة لم يبقَ أمام بوتين من خيارات إلا استنهاض العزة القومية، وتجييش عقدة الحصار التي راكمها الأوروبيون على روسيا... من نابوليون بونابرت إلى أدولف هتلر. واليوم يعتبر بوتين، ومعه عشرات الملايين من الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين، أن قواته إنما «تصحح الخطأ التاريخي» الذي مزق الكيان القيصري - السوفياتي، وقضى على الوطن الكبير في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات.
في الشرق الأقصى عند مضيق تايوان قد تختلف التفاصيل لكن المبدأ واحد. فهنا، أيضاً «الإذلال» ممنوع، والقيادة الصينية المستعجلة على غزو المستقبل لا تنسى الماضي ولا تنخدع بالحاضر.
الضمير السياسي الصيني يتذكر جيداً «حرب الأفيون» وآثارها، ويتذكر أيضاً «الهيمنة اليابانية». كذلك فهو لا ينسى الموقف الغربي - الاستنسابي أحياناً، والابتزازي غالباً - من سيطرة الصين على إقليمي التبت وسنكيانغ (تركستان الشرقية) ذاتييْ الحكم. وهذان إقليمان ينتمي السكان الأصليون في كل منهما إلى عرق مختلف عن الهان الصينيين وثقافة مختلفة عن ثقافاتهم.
قادة بكين، منذ انتصار «الثورة الماوية» الشيوعية عام 1949، يعتبرون جزيرة تايوان أرضاً صينية يحتلها نظام مارق ومتمرد على الشرعية. ومعلوم أن الشيوعيين انتصروا يومذاك على الرئيس تشيانغ كاي شيك، الحاكم السابق بين 1928 و1949 وزعيم حزب الكومينتانغ (الحزب الوطني الصيني)، واضطروه مع مناصريه إلى الفرار إلى تايوان. وفي حينه اعتبر تشيانغ ومناصروه البر الصيني أرضاً يحتلها متمردون شيوعيون، وعليهم واجب تحرير كامل الوطن الصيني ووضعه تحت سلطة حكومة «الوطنية».
غير أن الظروف تغيرت؛ إذ لم ينجح الشيوعيون فقط في تعزيز هيمنتهم على الصين وترسيخ حكمهم داخلياً ودولياً، وإنهاء موضوع هونغ كونغ على هواهم، بل حصل أيضاً تحول في ذهنية الأجيال الشابة الليبرالية في تايوان، التي باتت ترى عبثية في رفع الشعارات «الوطنية» القديمة، وتدرك أنها عليها التعايش مع الواقع؛ ولذا فهي تطمح إلى استقلال تقبل بكين بوجوده، وتتعايش معه، وفق تفاهمات وضمانات دولية موثوقة.
حتى اللحظة خطاب بكين الرسمي باقٍ على حاله، لكن القيادة الصينية لقد لا تكون مرتاحة للتعجيل في خلق العداوات وتجميعها ضدها... إذا أفرطت في عرض عضلاتها المخيفة لـ«الجيران».
والقصد هنا ثلاثة «جيران» لهم أهمية كبرى في الحسابات الدولية: روسيا واليابان والهند.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تايوان «أوكرانيا الصين» تايوان «أوكرانيا الصين»



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 06:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 العرب اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab