غزة غيرت العالم

غزة غيرت العالم

غزة غيرت العالم

 العرب اليوم -

غزة غيرت العالم

بقلم - سوسن الأبطح

لم يكن ليتخيل أحد أن الحرب على مليوني فلسطيني في غزة، محاصرين في مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، يمكن أن تستمر لستة أشهر، مع قصف لا سابق له.

كل شيء كان ينبئ بأن الحرب يفترض أن تنتهي سريعاً، بفضل التفوق الإسرائيلي الناري الهائل، إلا أن ما حدث هو العكس، ولعل السبب هو الأساليب الحربية الإسرائيلية التي تشكو الغطرسة والعمى الاستخباراتي، في وقت واحد.

خلال الأشهر الأولى -حسب صحيفة عبرية- أسقط الجيش الإسرائيلي من المتفجرات على غزة أكثر مما استخدمته روسيا لقتال بلد شاسع مثل أوكرانيا خلال عامين كاملين. لا؛ بل إن صحيفة «كول هعير» الإسرائيلية قدّرت كمية القنابل التي استُخدمت على غزة بأنها أكثر مما استخدمه أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وثمة تقديرات تشير إلى أن المتفجرات فاقت 70 ألف طن، أي ما يوازي 3 قنابل نووية.

تمكنت إسرائيل بفعل النار من إحراق القطاع ومحو غالبيته؛ لكنها لسوء حظها رغم محاولاتها المستميتة لم تتمكن من الانتهاء من كامل الغزيين، واستعادة الأرض نظيفة، علماً بأن مقاولين كثراً كانوا ينتظرون بناء منتجعاتهم على شواطئ غزة، واستثمار رمالها البيضاء.

«قُتل آلاف المدنيين الجياع واليائسين وهم يهرعون إلى قوافل المساعدات، يؤكد فشل إسرائيل الأخلاقي والاستراتيجي ضد الفلسطينيين، مهما كانت نتيجة الحرب في غزة»، كما علَّقت «لو تان» الفرنسية.

اعتبار المستشفيات أهدافاً عسكرية، مهما كانت الحجج التي ساقتها إسرائيل، وأسماء الفلسطينيين الذين قتلتهم مدّعية أنهم قادة في «حماس»، أو إرهابيون عثرت عليهم، كل هذا ينهار، حين تعرض صور «مستشفى الشفاء»، أيقونة الخدمات الصحية، بعد أسبوعين من الحصار والسفك للمرضى والجوعى، وهو محترق، وآيل للانهيار.

إنها الحرب التي غيرت العالم، وهذا ليس رأياً عربياً متحمساً؛ بل الإسرائيليون أنفسهم يعرفون أنهم باتوا يواجهون ما لم يعتادوه من قبل.

الرهان على الإجرام، مهما كان العالم متملقاً، وفاسداً، وقبيحاً، لا يبدو ناجعاً في نهاية المطاف. لا يمكنك أن تتجاهل دموع مسؤولة الشؤون الخارجية في مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارجية الأميركية، أنيل شيلين، التي استقالت لأنها لم تعد تحتمل رؤية الارتكابات الدموية. والأهم أنها تحمل معها اعتراض زملائها الذين كلفوها بالتحدث نيابة عنهم، ولم يملكوا مثلها جرأة الاستقالة. ما يعنينا من شيلين، أمران: الأول أنها متألمة على أميركا لأنها انتهكت قوانينها بنفسها علناً، وتمدّ بأسلحتها من يرتكبون أبشع المجازر، وهذه مخالفة داخلية، مما يجعلها في مصاف أي دولة مارقة. فهل يحق لأميركا أن تنتقد الصين أو روسيا بعد اليوم؟ أما الأمر الثاني فهو أنها اتخذت قرارها بعد رؤيتها آرون بوشنيل، الطيار الأميركي الذي كان في الخدمة الفعلية، وأضرم النار في نفسه، أمام السفارة الإسرائيلية، احتجاجاً على الحرب على غزة، وناشد الجميع اتخاذ موقف ضد الإبادة الجماعية. شيلين لديها ابنة صغيرة، وتشعر بالخجل منها حين تكبر وتعرف أن والدتها كانت متواطئة وتعمل في وزارة الخارجية أثناء المذابح. «أريد أن أخبرها بأنني لم أبقَ صامتة». صحيح أن الإعلام حاول مغمغة الحادثة الفظيعة للأميركي بوشنيل الذي احتجّ على طريقة البوعزيزي؛ لكن فعله لا يزال يحدث صدى.

النيران لا تزال مشتعلة. والكلفة الأخلاقية عالية، وستأتي متدحرجة، وبعيدة المدى. هذا ما حذّر منه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إسرائيل، حين قال إنه «في هذا النوع من الحروب، يجب إعطاء أهمية للمدنيين. فإذا تم دفعهم إلى أحضان العدو (حماس)، فإنك ستحول القضية من انتصار تكتيكي إلى هزيمة استراتيجية».

وبعد دفاع مستميت عن إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتحذير من عمليات إرهابية قادمة على الغرب، ها هو جيل كيبل المتوج في فرنسا خبيراً في «الحركات الإسلامية» يصدر كتاباً بعنوان جريء ولو بدا ملتبساً، يسميه «الهولوكوست» مع عنوان فرعي «إسرائيل- غزة... الحرب ضد الغرب». يفاجئنا كيبل بتحليله حين يشرح بأن «ما فعله يحيى السنوار انطلاقاً من غزة، وانتشر على نطاق واسع، تأثيره أهم مما استطاعه بن لادن في 11 سبتمبر (أيلول) 2001»؛ علماً بأن كيبل كان من أشهر من كتبوا عن تلك الفترة. في الحالتين، القوة الكبرى أميركا وحليفتها إسرائيل التي ركنت لتكنولوجيتها وتطورها، تم اختراقها من نقطة ضعفها، والتسلل إليها، وباتت «تعيش أسوأ خطر، وتخوض أقسى حرب منذ عام 1948؛ حيث إن وجودها برمته موضع تشكيك، وكذلك صلاحية استمرارها».

ثمة رؤية جديدة تتبلور في العالم، ليست حكراً على العرب ودول الجنوب؛ بل تشيع في الأوساط الأكاديمية، تتكئ على ما قدمته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية من تهمة «بالإبادة الجماعية» ترتكبها إسرائيل. هذه السردية -يقول كيبل- تعتبر أن إسرائيل بكل ارتكاباتها محسوبة على الشمال القمعي الذي يحارب ضد الجنوب المدافع عن العدالة والحق، والمناهض للاستعمار العنصري.

لكن إسرائيل التي تعي الدرك الأخلاقي الذي تتدحرج إليه، تراهن على النصر العسكري، لتُنسي العالم أفعالها الشنعاء. وهو حتماً ما يجعل وقف إطلاق النار أصعب بكثير مما يتصور البعض، ويثير خشية من دموية الأيام المقبلة، والسعي لمزيد من المجازر لمحو المدنيين.

لكن هل هذا سيجعل إسرائيل قادرة على تحقيق الإبادة الفعلية التي تحدث قادتها صراحة عن نيتهم ارتكابها؟ نصيحة الأستاذ الباحث في كلية لندن للعلوم السياسية، جوناس فوسلي جيرسو، أن على إسرائيل أن تكفّ عن أحلامها، فهي اليوم أبعد ما تكون عن حال المستوطنين الذين ذهبوا إلى أميركا وأستراليا، وتظن أنها تسير على نهجهم. إسرائيل اليوم في وضع شبيه بجنوب أفريقيا في زمن البيض، أو الجزائر مع المحتلين الفرنسيين.

ويكفي حسب رئيس تحرير «تايم أوف إسرائيل»: «الإحساس بعدم كفاءة قادتنا السياسيين والعسكريين التي من شأنها أن تولد فينا شعوراً عميقاً بالعجز والضعف، لدرجة أن ذلك سيكون قادراً على تدمير إسرائيل من الداخل».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة غيرت العالم غزة غيرت العالم



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس تتحدث عن منافستها بفيلمين في السينما
 العرب اليوم - ياسمين رئيس تتحدث عن منافستها بفيلمين في السينما

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 03:01 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حظر الطيران الجوي في أصفهان وقم الإيرانيتين

GMT 02:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي بغزة

GMT 02:54 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 7.3 يضرب المحيط الهادئ وتحذير من تسوماني

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دوي انفجار يهز صنعاء وسط أنباء عن استهداف وزارة الدفاع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab