«الصهيونية» درع أوروبا

«الصهيونية» درع أوروبا

«الصهيونية» درع أوروبا

 العرب اليوم -

«الصهيونية» درع أوروبا

بقلم - سوسن الأبطح

لماذا يهتزّ الغرب وينقسم ويتبلبل أمام ما يحدث في غزة؟ هل هو عدد الضحايا القياسي؟ ليس فقط بالتأكيد. ففي إثيوبيا، وقبل سنوات قليلة، قتل أكثر من 100 ألف إنسان، ولم يعن بهم أحد، وفي السودان يموت الناس يومياً، ولا من يسأل.

«نحن كأوروبيين ليست فلسطين التي تعنينا، بل تأثيرها على مجتمعاتنا الداخلية. ثمة خشية من أن تعيدنا الأحداث هناك إلى ما قبل عام 1945». هذا الكلام للمؤرخ الفرنسي المعروف هنري لورانس، خلال محاضرة ألقاها مؤخراً في «المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية» في باريس، يستحق أن يكتب بحروف من ذهب لصدقه وصراحته. فهو يشرح أن خطورة «ما حصل في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أعادنا إلى مواجهة مع تاريخنا الذاتي؛ مع ماضينا الاستعماري من جهة، وما ارتكبناه في المحرقة من جهة أخرى. لهذا ثمة ثقل كبير يزن على ألمانيا، وتأثير على أميركا وانقساماتها الداخلية». ألم يحتفل الفرنسيون بنصر عام 1967 لإسرائيل بستة أيام على العرب، وعَدّوه يومها ثأراً لهم لطردهم من الجزائر.

أوروبا كلها متورطة. فهي التي قررت التخلص من اليهود بإرسالهم إلى فلسطين. فكرة الصهيونية تبلورت في أوروبا الشرقية والوسطى. لكن أوروبا بمجملها لم تحتمل اليهود، على مدى مئات السنين. فهي عاشت مسيحية خالصة باستثناء وجود الجاليات اليهودية والمسلمين المورسكيين في الأندلس الذين طردوا شرّ طردة. هذا على عكس منطقتنا التي تعايشت فيها الملل على أنواعها. ففي أوروبا لم يكن من دين آخر سوى هذه الأقليات اليهودية، التي اضطهدت، وطردت من مكان إلى آخر، وارتكبت بحقها المجازر، لأن أصحابها مختلفون حيناً، ولحبهم الأزلي للمال والتجارة حيناً آخر، وفي فترة لاحقة نظر إلى اليهود في أوروبا الشرقية على أنهم مثار فتنة، وقد يكونون سبباً في اشتعال الحروب. لكن النتيجة واحدة، يجب التخلص منهم. والمفارقة أن أنصار السلام في أوروبا، وبشكل خاص الأنتلجنسيا هي التي قادت التحركات ضدهم.

الثورة الفرنسية بشعارها الأخاذ، «حرية، مساواة، إخاء» بدل أن تحلّ المشكلة عقّدتها؛ لأن القوميات التي تبلورت في أوروبا قامت على ثلاثة مشتركات: الدين واللغة والدولة. وبالتالي لم ير إلى اليهود كمواطنين كاملي المواصفات. وبقيت قضيتهم تتفاقم.

وقبل محرقة هتلر، بدأ اليهود بالوصول إلى فلسطين منذ عام 1880. تلك المرحلة من الصهيونية كانت فرنسية. والبارون إدموند روتشيلد الذي توفي سليله جاكوب قبل أيام فخوراً بالمعجزة الإسرائيلية، أخذ على عاتقه تمويل إقامة المزارع ودعم اليهود الذين شعروا بضياع، وقد اكتشفوا عند وصولهم أن فلسطين هي أرض فيها شعب، على عكس ما قيل لهم. اليهود عموماً، لم ينظروا بعين الإعجاب لفكرة الصهيونية التي ولدت علمانية، وليبرالية. والمتدينون لم يرقهم المشروع. كان ثمة صعوبة أيضاً بإقناع الروس بالهجرة إلى فلسطين. أصحاب البشرة البيضاء والنزعة العلوية، لم تعجبهم مجاورة العرب أو الاختلاط بهم. لكن يهود غرب أوكرانيا ولاتفيا ومولدافيا وليتوانيا، المناطق التي ضمها ستالين عام 1940، وقد سدت بوجههم أميركا، وجدوا أنفسهم مجبرين على الذهاب إلى فلسطين، ليشكلوا اليوم أشكنازها، ووصل بعضهم إلى سدة السلطة. والصلة تستحق مقالاً منفرداً بين قيام دولة إسرائيل وأوكرانيا، التي قد لا تكون مجرد مصادفة حربها المتزامنة مع الحرب على غزة. وأصدر المؤرخ الإسرائيلي - الأميركي عمير بارتوف كتاباً بالإنجليزية عنوانه «قصص الحدود. صناعة الماضي ومحوه في أوكرانيا»، يشرح فيه العلاقة الوثيقة بين الحالتين.

«عندما قررت ألمانيا النازية، أنها يجب أن تكون مسيحية خالصة وعلى اليهود أن يرحلوا، تم الاتفاق مع الحركة الصهيونية أن يرسلوهم إلى فلسطين». هكذا تكلم هنري لورانس.

لم يقل الباحث الشهير في قضايا فلسطين ومنطقتنا، بشكل مباشر، إن نهاية إسرائيل تعني عودة القضية اليهودية إلى أوروبا ساخنة. لكن كل ما شرحه يقودك إلى نتيجة مفادها بأن هذا النزاع الديني الغربي الذي لا ناقة لنا به ولا جمل، نحن الذين عشنا مع اليهود ومع غيرهم مئات السنين، دون أن نخترع مصطلح «كراهية اليهود»، ألقيت علينا هذه الفتنة وورطنا بها، ولا نزال. فالهجرات لم تتوقف من حينها، والقادمون لغاية بداية عام 2023 أكثر من المغادرين. هكذا تخلصت أوروبا من يهوديها وألقت بهم علينا، وأصبح زعماء العالم الحر يكررون صباح مساء لازمة «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» لا حباً باليهود، وإنما تخلصاً من ورطة اعتقدوا أنهم ارتاحوا منها وإلى الأبد، وها هم يسمحون، لا بل يشاركون بارتكاب أفظع المجازر، كي لا تعاد وديعتهم إليهم.

الواصلون الأوائل إلى فلسطين، حمتهم القنصلية الفرنسية، ومن أتى بعدهم حماهم الانتداب البريطاني، ولغاية اليوم، لم يتغير وضع الصهيونية في فلسطين، فهي لا يمكنها أن تعيش من دون حماية دولية. لهذا يريدون دائماً أن يكونوا استثناء.

«يمكنك أن تفرض عقوبات على أي دولة في العالم دون أن توجه لك تهمة، إلا إسرائيل التي لا يمكن أن تفرض عليها عقوبات دون أن تتهم بمعاداة السامية، ذلك لأنها ليست كبقية الدول». هذا ليس رأي لورانس وحده، بل عدد من يهود الدياسبورا الذين يعرفون أن رفع الغطاء الدولي عن إسرائيل، يعني انهيار حلمهم. ويستشهد لورانس بالرئيس ديغول الذي كان يقول لبن غوريون: «عليكم أن تصبحوا أناساً كالباقين، وتوقفوا عن التصرف كالحمقى».

بعد الحرب الإبادية على غزة، المستمرة منذ شهور، يكرر لورانس عبارة «فشل إسرائيل». وهو فشل يعيد اليهود بالذاكرة إلى شريط الاضطهاد الطويل، ويرجع بالمخيلة العربية إلى الهيمنة الاستعمارية الظالمة.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الصهيونية» درع أوروبا «الصهيونية» درع أوروبا



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab