الفجوة الكبرى

الفجوة الكبرى

الفجوة الكبرى

 العرب اليوم -

الفجوة الكبرى

بقلم - سوسن الأبطح

أصبح التلفزيون للعجائز، و«فيسبوك» لكبار السن، هذا على الأقل ما تفصح عنه دراسات جديدة. وثمة تساؤلات محقة حول مستقبل وسائل الإعلام التقليدية، بما فيها المرئية، في عالم يتغير بأسرع مما كان متوقعاً، فالمشهد سينقلب كلياً، بعد أقل من عشر سنوات! كان الأطباء النفسيون يحذرون من ترك الأطفال يتفرجون على التلفزيون لوقت طويل، لأن ذلك يجعلهم سلبيين، وأدمغتهم أقل مرونة ويقظة، ثم أطلّ الخوف من التليفون والآيباد والألعاب، والبقية تأتي...
تراجعت مكانة التلفزيون في حياة الصغار بشكل تلقائي. مكتب الإعلام والاتصالات البريطاني، أجرى دراسة قبل أيام، أظهرت أن الشباب يتفرجون على الشاشات الفضية أقل 6 مرات من كبار السن. وأن من هم دون الرابعة والعشرين، بالكاد يمضون ساعة أو أقل في المشاهدة اليومية.
في المقابل صغارنا يدمنون شاشات تليفوناتهم، ويفضلون اختيار ما يريدونه على منصات مثل «نتفليكس» و«أمازون بريم» و«ديزني». هذا جيل لا يحتمل تقييد نفسه بمواعيد البث، وتحمل إزعاج الإعلانات ثقيلة الظل. قد يكون التلفزيون أكثر ارتباطاً بمشاهدة المونديال مع الأصدقاء، أو مناسبة كبرى، وقد يتحول إلى خلفية صامتة تخفف من ضجر جلسة عائلية طويلة، لكنه لم يعد بالضرورة حاضراً بطغيانه الآفل.
هذا لا يعني أن السنوات المقبلة، ستكون لصالح المنصات، لأن أبطال اليوم، قد يصبحون أقزام الغد. فقبل أن تفرح منصة بانتصارها، تكون الأخبار السيئة قد أطلت لتنال من سمعتها. فمشاهدة الأفلام باستخدام الإنترنت، قتلٌ للبيئة، وتلويث هائل. مشاهدو «نتفليكس» مثلاً، على ما تقول الأرقام، قضوا ستة مليارات ساعة، هذه فقط، لمشاهدة ما هو على لائحة أفضل عشرة أفلام، وهو ما تسبب في انبعاثات لثاني أكسيد الكربون، يوازي ما ينفثه صاروخ فضائي في رحلة من الأرض إلى زحل. وقسّ على ذلك، لتتخيل ما ستفعله المنصات، في المناخ والأوزون والاحتباس، وأمزجة الناس حيالها، والجفاف يتعاظم صيفاً، فيما في الفيضانات تُقتلع البيوت شتاءً. المنصات وكذلك الألعاب الإلكترونية التي تحتاج هي الأخرى للكهرباء وموارد الطاقة، مع تنامي أسعار الاشتراكات في عزّ الأزمة الاقتصادية، ثمة من يتوقع صدوداً ونفوراً منها في وقت ليس ببعيد، رغم أن «نتفليكس» تعد بتحسين أدائها والتبرع لمشاريع دعم الأبحاث البيئية، وإنقاذ المساحات الخضراء. إلا أن هذه الكفارات المالية، وإظهار حسن النية، مع سوء السير والسلوك، لم يعد يقنع كثيرين.
التركيز على الملوثين من شركات طيران ومصنعي السيارات، ومنتجي المواد الغذائية، كان كبيراً في السنوات الماضية، وصار كلٌّ يحاول تبرئة ساحته، بتحسين منتجاته، لكن الدور الآن على المنصات، وصناع الألعاب، وستتغير اللائحة ويكبر عدد المتهمين.
المخترعات الجديدة تعبر كتقليعات موسمية ثم تشيخ بسرعة. لهذا أنقذ مارك زوكربيرغ نفسه حين اشترى «إنستغرام» و«واتساب»، الذي لا يزال خاماً، وإمكاناته الاستثمارية كامنة، ولم تظهر بعد، ذلك لأن مولوده الأول «فيسبوك» الذي حطّم كل وسائل التواصل الأخرى وتجاوزها، بدأ يشيخ وسيكون من الصعب تجديد شبابه. فإعلانات هذا التطبيق التي يتم الاعتماد عليها بشكل أساسي هي أميركية. وفي أميركا لم يبق لزوكربيرغ من المراهقين على تطبيقه سوى نصف من كانوا من الخلّص قبل خمس سنوات. هم اليوم يشكلون ثلث الأعضاء، بينما كانوا ثلثي أصحاب الصفحات. هذه خسارة مستقبلية كبرى، لتطبيق يعتمد في مداخيله على الإعلانات، وبقيت إمكانية إجراء بحث عليه ضعيفة، إن لم تكن الأسوأ على الإطلاق مقارنةً بوسائل التواصل الأخرى.
الشبان هاجروا بالفعل من «فيسبوك» باتجاه «تيك توك» و«إنستغرام» وكذلك «يوتيوب»، التطبيقات التي تحولت، في غفلة، إلى أبرز مصدر للأخبار بالنسبة لعدد كبير من هؤلاء. لكن هذا لن يعفيها في المستقبل، من تهمة التلويث البيئي والتلاعب بالعقول، بمجرد أن ينتهي دور المنصات. إلى ذلك الحين، يرى الشباب أن ما يحصلون عليه بدقائق معدودات على هذه التطبيقات من معلومات حول سفراتهم، وهواياتهم، والمطاعم التي يريدون ارتيادها، أو الحفلات التي يحجزون تذاكرها، يحتاج لبحث مضجر ومضنٍ على «غوغل»، عدا أن الشبكات الاجتماعية تقترن أخبارها، بالتعليقات المفيدة، والآراء، وما يقوله الأصدقاء حول الموضوع.
هذا يجعل أضخم وأشهر محرك بحث عرفه الإنسان، يبدأ بالتحضّر للعد التنازلي، وهي بحد ذاتها مفاجأة، لجيلنا الذي يرى في «غوغل» مرجعية سحرية، وأداة لا يمكن الاستغناء عنها. إلا أن المسلّمات لم تعد من مصطلحات العصر الجديد. وليس «غوغل» وحده الذي يشعر بخطر، وإنما كل الوسائل الإعلامية التقليدية.
نصف الشباب لم يعد يعنيهم لا مرئي ولا مكتوب ولا مسموع، لتلمس الأخبار، ومعرفة ما يحدث في العالم، بل يعتمدون على ما تخبرهم به وسائل التواصل، مع كل ما ينطوي عليه من مخاطر، وتضليل، وتشتيت، وتوجيه من خوارزميات، ليست بريئة على الإطلاق.
الأظرف أن الشباب يعرفون جيداً مخاطر هذا الخيار. لكن الأسهل هو الذي يربح، وليس الأنفع. تحمّل عناء البحث والمقارنة، ومكافحة الأخبار الموجهة، لا وقت له. اتهام الجيل الجديد بقلة الفضول ظلم. هم يريدون معرفة كل شيء، وبالطريقة الأنقى. يبقى أن علينا مساعدتهم، بالوسائل الفضلى للوصول إلى المعلومة، وحمايتهم من خبث من يتحكمون في المحركات وخوارزميات التطبيقات، ويديرون اللعبة الخلفية في ظلمة الدهاليز الإلكترونية. فهل هذا ممكن؟

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفجوة الكبرى الفجوة الكبرى



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab