سياسة الذئاب والخراف

سياسة الذئاب والخراف

سياسة الذئاب والخراف

 العرب اليوم -

سياسة الذئاب والخراف

بقلم - سوسن الأبطح

لا تكتفي إسرائيل لتمييز مواطنيها وترسيخ الفصل العنصري في الضفة الغربية، بانفراد سياراتهم بأرقام باللون الأصفر، فيما لوحات السيارات الفلسطينية باللون الأبيض، بل تلجأ لما هو أكثر. إذ بات نظام «الذئب الأحمر» منتشراً على الحواجز في الخليل والقدس الشرقية، لمسح وجوه الفلسطينيين رقمياً، وتعقبهم وتقييد حركتهم. وهو مرتبط بنظام آخر يدعى «قطيع الذئاب» يحفظ تقاسيم الممسوحة وجوههم، وتحفظ عليه قاعدة بيانات، فيها جميع المعلومات عنهم، وكذلك أفراد عن أسرهم، وأماكن إقامتهم، ونوعية سلوك كل منهم، وكأنما كل فلسطيني مجرم ولن يثبت العكس أبداً. كل هذا يستفاد منه على تطبيق «الذئب الأزرق» التلفوني الذي يتيح للإسرائيليين الاستفادة الفورية والسريعة من المعلومات الموجودة لديهم، بمجرد الحاجة إليها.

هكذا يساق أصحاب الأرض كالخراف إلى حتفهم، تبعاً للسياسة الذئبية. وهو ما يؤكده الصحافي الفرنسي جان كواتريمر حين يقول: إنَّ الفلسطينيين يُعامَلون كـ«الماشية». المستوطنون «يقتحمون المنازل على ساكنيها، يرسمون الصلبان على جدرانها، هل يمكنك أن تتخيل؟ هذا يذكرنا نحن الفرنسيين، بالاحتلال الألماني والازدراء تجاه الشعب الذي تم احتلاله. إسرائيل تلعب بالنار، حقاً».

وهذه حقيقة، فهم لم يتعظوا من تهاوي تفوقهم الرقمي، أمام غضب الغزيين وألَمَهم، وإصرارهم على كسر القيود في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول).

والإنذارات تأتيهم من أهل البيت أنفسهم، من القائد السابق للجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، عميرام ليفين، الذي لا يرى فرقاً بين ما يحدث في الضفة الغربية من فصل عنصري مطلق، وما عاشته ألمانيا. وتحذيرات الهيئات الأممية قديمة. «الإسكوا» عام 2017 عدّت إسرائيل «مذنبة بجريمة فرض نظام (أبارتايد) على الشعب الفلسطيني، مما يصل إلى حدّ ارتكاب جريمة ضد الإنسانية» وعليها تحمّل مسؤولياتها.

لهذا يشعر الإسرائيليون، أنهم، والحالة الاعتراضية الكبيرة هذه، في سباق محموم مع الزمن لزرع أكبر عدد من المستوطنين، في أقصر وقت. هؤلاء بات عددهم 700 ألف؛ مما يجعل بقاءهم أمراً واقعاً، وحلّ الدولتين الذي ينادي به العالم كله، مجرد كليشيه لا مكان لها على الأرض.

لا يتوانى مستوطنون عن السخرية: «لم يبق للفلسطينيين على الخريطة إلا بعض الثقوب إن كانوا يريدون أن يقيموا دولتهم عليها». لكن حتى هذه الثقوب لم تعد مسموحة.

أكثر من 1100 فلسطيني نزحوا من مساكنهم في الضفة الغربية بسبب هجمات المستوطنين الإسرائيليين منذ مطلع السنة، ونفذت أكثر من 60 حادثة هدم، وأصبح مئات الفلسطينيين بلا بيوت. كذلك أُجبر أكثر من ألف شخص آخرين على ترك منازلهم في الأربعين يوماً الأخيرة، أي خلال حرب غزة، وقتل 200 فلسطيني، في حين تعرّض الأبرياء العزل لـ250 هجوماً شرساً.

وللتعجيل بالطرد والتطفيش والسطو على الأراضي والمنازل، تم ضمّ جزء من المستوطنين إلى الجيش وزُوّدوا بالأسلحة والبدلات، لكن مهماتهم لم تتبدل وأصبحت رسمية وأكثر عناداً وغطرسة.

ثمة عائلات فلسطينية تبيت في السيارات؛ خشية أن تحرق فيهم منازلهم وهم نيام بداخلها، ومنهم من اضطر إلى الرحيل فعلاً حين لم يبق له من سقف ولا حيلة.

لم تعد المستوطنات بضعة منازل متقاربة مع خدماتها البسيطة. عمّرت المدن وإلى جانبها مصانع ومدارس وجامعات وأندية ومنتزهات. «أريل» التجمع السكاني الإسرائيلي الأكبر في الضفة، يتحضّر لتصبح عاصمة. شق منها الطريق رقم 5 الشاسع بمساراته الأربعة التي توصل إلى القدس وتل أبيب، أكبر مركزين سكنيين. صار بمقدور المستوطنين الخروج من منازلهم مباشرة والانتقال الهادئ المطمئن إلى قلب إسرائيل دون أن يلتقوا بالعرب المزعجين. هم أصلاً لا يرونهم، ولا يعنيهم أمرهم. يعيشون وكأنما الضفة أصبحت بالفعل لهم، ولا يعتقدون أن ثمة ما يمكن يوماً أن يؤرقهم.

تتذرع إسرائيل بالاكتظاظ السكاني في أراضي 48، وبالازدهار والغليان الاقتصاديين غير المسبوقين، لتبيح لنفسها التمدد، تشق الجسور إلى الضفة، تجرّف الأراضي الزراعية، تبث مستوطنيها، ليخربوا الآبار (تعطيش البشر سياسة استعمارية رهيبة) ويسدوا الطرقات، ويحاصروا المدن ويقتلوا السكان. حتى موسم قطاف الزيتون الذي يعيل 100 ألف عائلة لم يعد آمناً ولا ممكناً. شجرة الزيتون، رمز للمقاومة والاستمرار. تخيل أن تكون أشجارك قربك ويأتيك من يمنعك قطافها، ويسلبك خيرها. هذا عدا سياسة مصادرة الأراضي بحجة وجود قبور يهودية فيها، آلاف الدونمات أُخذت من أصحابها، بهذه الحجة، ريثما يعاد استخدامها، في مشروعات مستقبلية.

العيش في الضفة ذلّ على مدار الساعة، وخضوع قسري للمهانة. وإذا كانت غزة هي أكبر سجن في العالم، فإن الضفة هي الأرض التي يمارَس عليها أكبر قهر تعرفه مجموعة بشرية في زمننا الحالي. إذ إن إحاطة المدن بالأسوار وإغلاق الأبواب، وسجن مئات الآلاف، هو مما يمارس على أهالي الضفة أيضاً.

انحدار يسيء بشكل غير مسبوق لصورة إسرائيل التي حرصت على تلميعها. فالضفة قانونياً أرض محتلة، وللمواطنين الفلسطينيين حق الرعاية والحماية من المحتل، وما يرتكب سيكون من الصعب تبريره أو فلسفته، كما يحدث في غزة، وهذا ما يشغل حلفاء إسرائيل الأقربين. أدان الرئيس الفرنسي ماكرون التجاوزات غير المقبولة. وفي سابقة فريدة، يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرض عقوبات، على مستوطنين متطرفين يهاجمون فلسطينيين في الضفة.

الأفق يبدو مغلقاً بالكامل، كأنما إسرائيل أفلتت من عقالها، بما ارتكبته في غزة من مجازر، وإصرارها على تدمير حياة الفلسطينيين في الضفة. بهذا تؤسس لعقود من حروب لن تنتهي، وجحيم مقيم لسكان المنطقة أجمعين، خاصة بصعود نجم متطرفين يزدادون رغبة في السفك والانتقام.

الأمل الوحيد المتبقي هو إقناع حلفاء إسرائيل الأقوياء، أن طموحها الدموي والإلغائي سينقلب وبالاً عليها. وهي، كما نعرفها، لن ترعوي. لهذا؛ فإن عزل إسرائيل، والاستفادة من الصورة المخيفة التي بثتها عن نفسها، والاستمرار في التذكير بسوء أفعالها، وإضعافها اقتصادياً وأمنياً، وهذا ما تحقق جزء منه، هو السبيل الوحيد لإعادتها إلى صوابها، بعد أن جُنّت وأُصيبت بالهستيريا.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسة الذئاب والخراف سياسة الذئاب والخراف



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعيّن بوهلر مبعوثا لشؤون الرهائن
 العرب اليوم - ترامب يعيّن بوهلر مبعوثا لشؤون الرهائن

GMT 14:49 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
 العرب اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 06:33 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث دوائر

GMT 08:28 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

منة شلبي توجّه رسالة شكر لجمهور السعودية بعد نجاح مسرحيتها

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 23:47 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا يعين الأميركية جيل إليس رئيس تنفيذى لكرة القدم

GMT 01:25 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاة 143 شخصًا بمرض غامض في الكونغو خلال أسبوعين

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

"أرامكو" السعودية توقع اتفاقية مع شركتين لاستخلاص الكربون

GMT 17:28 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وحدات الجيش السوري تسقط عشرات الطائرات المسيرة في ريف حماة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab