جنوح الفلسفة

جنوح الفلسفة

جنوح الفلسفة

 العرب اليوم -

جنوح الفلسفة

بقلم:سوسن الأبطح

تريداليونيسكو  من العالم أن يتفلسف، للناس أن يطلقوا العنان لأفكارهم، أن تكون في الخميس الثالث من كل نوفمبر (تشرين الثاني) أخيلة البشر حرة، لتتصور مستقبلها، وكيفية إعادة بناء أخوّتها المفقودة. هذه السنة، العنوان هو «الإنسان الآتي»، والحال ضياع وفوضى وخوف من حروب وفقر وجوع. ثمة اعتقاد بأن الفكر وحده قادر على اجتراح معجزة الخلاص. ووسط أجواء الاحتفالات بقيمة العقل، وثمار الاجتهاد، تأتي إنذارات، من عدة مدن فرنسية، تحذر من مهرجان للفلسفة سيقام، بالمناسبة، في 7 مدن تنظمه جمعية «نيو أكروبوليس» المرخصة في البلاد منذ 1973. ومع ذلك، تحوم الشكوك حولها، وصدرت بحقها عدة مذكرات، تضعها على اللائحة السوداء.

منظمة غير ربحية تأسست في الأرجنتين عام 1957، على اعتبارها مدرسة للفلسفة، وتطورت لاحقاً وانتشرت، وتحولت إلى منظمة تعرف بنفسها بأنها تعنى بالدراسات والممارسات الفلسفية.
ومشكلة الفلسفة في المتفلسفين، الذين يتطرفون يميناً أو يساراً، ويؤدي الشطط إلى جرائم، والمبالغة إلى كوارث، ثم تتساءل عن جدوى أن يترك الحبل على غاربه، حتى يصعب عليك فهم الفرق بين إعمال العقل لصالح الخير، أو إعماله للتلاعب بالآخرين، واستغلال ضعفهم.
ثمة مذكرة لوزارة الداخلية الفرنسية، صدرت العام الماضي، تلفت إلى أن بعض المجموعات التي تتغطى بستار التفلسف وحرية الفكر والمعتقد تنتهك الحريات وتستعبد الأفراد. هناك مجموعات تمنع المنخرطين فيها من ممارسة حقهم في التصويت، وتصل بهم إلى انحرافات أو اعتداءات جنسية، ويتعرضون للضغط والنبذ حين يفكرون في التراجع أو يترددون في ممارسة السلوكيات المفروضة عليهم.
وبالعودة إلى «نيو أكروبوليس» التي لها عشرات المراكز في أنحاء فرنسا، ويوحي موقعها الرسمي، وبرنامجها لليالي الفلسفية، بأنها تعشق العقل وتناضل من أجل الانعتاق، فهي متهمة بأنها تروج لآيديولوجيا يمينية متطرفة، وأن لها ميليشيا سرية، وجهازها الاستخباراتي الخاص.
تقارير قديمة تشير إلى أن الجمعية تروج لعنصرية قريبة من النازية الجديدة، وتمارس استبدادية على أعضائها. كل هذا تحت ستار الفلسفة وإطلاق العنان للأفكار. هذه الفرقة ليست حالة معزولة، فنحن نسمع كل يوم عن فكر جديد. وما أن تفتح صفحات «تيك توك» أو «إنستغرام» حتى يطلع عليك حكماء العصر الحديث، الذين تجهل مؤهلاتهم، وخلفياتهم، أو مدى نجاحهم في حياتهم أو فشلهم، وكمّ العقد التي تحركهم، ليمطروك بنصائحهم. منهم تعرف كيف تصبح سعيداً. وأفضل وسيلة لجمع المال. وسبيلك للتخلص من الأرق. حتى كيف تنتقم من عدوك، أو من الذين تحتسبهم أصدقاءك.
لم تخلُ الفلسفة يوماً من خطر الانزلاق. الاشتراكية نظرية في غاية النبل والسمو حين تقرأها، ومع ذلك لم تجلب السعادة لأغلب المجتمعات التي طبقت فيها. تغلبت غرائز السرقة والانتهازيين على مصلحة عامة الشعب الذين تركوا في فقر وحاجة وشظف عيش. وجاءت النظرية الرأسمالية وقحة، جشعة، شجّعت على المنافسة والمزاحمة، وأعلت من قيمة الشطّار على حساب المساكين. وتباهى على الخلق الأغنى بينهم والأذكى والأقدر على مراكمة الثروات، والتمتع برغد الحياة. وبات من الطبيعي أن يملك 26 شخصاً في العالم ثروة تعادل ما يملكه نصف سكان الأرض. بل إن كلاً منهم، هو اليوم أنموذج للنجاح والتفوق، يباهى به ويحتذى. وصارت الرأسمالية، وقد اقترنت بالديمقراطية الأوفر شعبية بين الأمم.
لم تكن الفلسفة بريئة في أحيان كثيرة، وضحاياها بالآلاف. أنجبت نظرية تفوق العرق الأبيض، أسوأ أشكال الظلم والاستعباد، منذ القرن التاسع عشر. أقنع الغربيون أنفسهم بأنهم أعلى كعباً من بقية البشر، وأن بمقدورهم أن يستعمروا ويستعبدوا، ويمتصوا دماء أمم كثيرة، بحجة أنهم يسعون لتطويرهم وترقيتهم. ولا تزال نظرية استعمار الشعوب بحجة نشر الديمقراطية سارية المفعول، ومرحباً بها من بعض الضحايا. وهي واحدة من سلالات فلسفة تفوق الرجل الأبيض، التي تتناسل و«تندغم» في نظريات تتعدد أسماؤها، ويبقى مضمونها واحداً.
نظرية التفوق يطبقها الرجل الأبيض، لأنه يمتلك أدواتها التي حرم منها آخرون. لكن كل دين يرى في أتباعه تمايزهم على غيرهم، والسود لهم نظريتهم الفوقية أيضاً، وإن كانت أقل شهرة، وأتت كردة فعل على البيض. وبقي الأميركيون يستعبدون السود بوحشية، ويمارسون عليهم سطوتهم بشكل غير أخلاقي حتى بعد أن أصدر الرئيس أبراهام لنكولن إعلان تحرير العبيد عام 1863.
وفي الشرق كما في الغرب، عرفت اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية فكرة تفوق عرق الياماتو، وهم السكان الأصليون للبلاد، وأدعوا أحقيتهم في حكم كامل آسيا وبلدان المحيط الهادي.
من حق العباد، بل من واجبهم أن يتفكروا هذا الخميس، وكل يوم، للاهتداء إلى ما يجلب لهم السعادة والأمن، ويحد من الخراب الذي جلبوه لأنفسهم، لكن هذا يستدعي من المتفكر كثيراً من العلم والسماحة وحب الإنسانية، ونبذ الأنانيات التي حضت عليها بعض الفلسفات بشطحاتها وسقطاتها.
فأي الفلسفات نريد، هل فلسفة «داعش»، والشعبويات اليمينية المتطرفة التي بدأت تكتسح الساحة، أم فلسفة إدغار موران وعودة إلى ابن رشد الذي تمسك بالفكر الحر وتحكيم العقل، ورفض البناء إلا على المشاهدة والتجربة.
أهم وظيفتين للفلسفة هما مساعدة الإنسان للإجابة عن الأسئلة الوجودية، وتحريض فكره النقدي. أما الفلسفة الحديثة، بعد أن أسبغت عليها الصبغة الشعبية، وأنزلت إلى عامة الناس، صارت كلها إجابات قاطعة، وكان يرتجى منها ويؤمل أسئلة محرضة على التفكير والتمحيص والتدبّر.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنوح الفلسفة جنوح الفلسفة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab