هل فشلت الصهيونية

هل فشلت الصهيونية؟

هل فشلت الصهيونية؟

 العرب اليوم -

هل فشلت الصهيونية

بقلم - سوسن الأبطح

 

آلاف اليهود الأرثوذوكس بدأوا بمغادرة إسرائيل بعد أن أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن حكومته ستعمل على إنهاء إعفاءاتهم، من الخدمة العسكرية.

في المقابل، سجل استطلاع للرأي، قبل عام تقريباً، عزوفاً ليهود أوروبا عن الهجرة إلى إسرائيل، وربع المقيمين البالغين في إسرائيل يفكرون بمغادرتها. ورغم التكتم الشديد الذي يحيط موضوعاً وجودياً من هذا النوع، تبين أن طلب الجنسيات الأوروبية زاد من قبل الإسرائيليين 20 في المائة، وارتفعت طلبات الهجرة 15 في المائة. والسبب هو الخوف من التطرف الديني الذي أحكم قبضته على حكومة تحاول تغيير النظام تدريجياً. وما سمي بالإصلاحات القضائية أفزعت العلمانيين، وأشعرتهم أنهم سيصبحون تحت رحمة قبضة ديكتاتورية. وقد أعلن بالفعل عن تبديل في طبيعة إدارة بعض الوزارات، والعمل على سحب سلطات المحكمة العليا، بوصفها مراقباً على الكنيست والحكومة، وتقليص صلاحياتها. وهو ما يعدّ انقلاباً على الديمقراطية، وخللاً في فصل السلطات.

ثمة من يسأل إن كان اليسار الإسرائيلي الذي لعب دوراً رئيساً في مرحلة التأسيس، لا يزال موجوداً، أم دفن باغتيال إسحاق رابين عام 1995 وعائلته لا تزال ترى أن نتنياهو ليس بريئاً من اغتياله. علماً بأن رابين أحد مخططي ومنفذي عمليات ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم خلال نكبة 48.

وإذا كانت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، قد أعادت إلى المجتمع الإسرائيلي المفكك شيئاً من اللحمة، وبدا موحداً لشن أبشع الحروب على غزة، فإن الكوارث التي تبعتها، والمجازر والأهوال التي حصدت عشرات آلاف الضحايا، وانقلاب الرأي العام في العالم على إسرائيل، واتهامها بـ«الإبادة» ووصمها بـ«الأبارتيد»، يعيد التصدعات إلى أسوأ مما كانت عليه، ويشعل نيران الاتهامات المتبادلة حول المسؤوليات، كما يبعث شكوكاً حول المستقبل، في نفوس يهود قليلاً ما انتقدوا، أو ذموا دولتهم المبجلة.

فقد رأى جاك أتالي، المستشار السابق للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، أن «الصهيونية ذاهبة إلى الانتحار». ومما استشهد به هذا الخبير السياسي المحنك، ما كتبته المؤرخة باربرا توتشمان حول «مسيرة الحماقة»، وتاريخ الحضارات مليء بها. أقرب هذه الحماقات زمنياً، طعن بريطانيا لذاتها بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وليس أبعدها الطرواديون الذين أدخلوا حصان أوديسيوس إلى مدينتهم ووقعوا في الفخ وهزموا. أما إسرائيل فقد امتلكت كل عناصر القوة؛ من المال إلى العلم والأبحاث، وجوائز «نوبل»، والأرض، والقوة العسكرية والانتصارات، وتحالف غربي لا يتزحزح، لكنها «على وشك إفلاس سياسي وأخلاقي حقيقيين» كما يرى أتالي. أما حصان طروادة هنا فهو القتل؛ «لأن إسرائيل لن تتمكن من ممارسة العنف من دون أن تكون هي الضحية الرئيسية».

والكلام على «فشل الصهيونية» سابق بسنوات على مقتلة غزّة. كتب عديدة صدرت حول الموضوع في السنوات الأخيرة، تعاد مناقشتها اليوم، وكأنها نبوءة تحققت. خذ مثلاً مؤلّف «نتنياهو ونهاية الحلم الصهيوني» للفرنسي جان بيار فيليو الذي يرى أن نتنياهو خان «الآباء المؤسسين» للصهيونية بائتلافه مع المتدينين المتطرفين، على حساب كل الفئات الأخرى. وأن هذه الأقلية فرضت طروحات زئيف جابوتنسكي المتطرفة (توفي سنة 1940) صاحب «الصهيونية التصحيحية» التي رُفضت في الثلاثينات، لكنه أصبح الأب الروحي لحزب «الليكود»، والمثل الأعلى لنتنياهو، علماً بأن جابوتنسكي هذا كان أكثر ديناميكية من نتنياهو بالتأكيد.

إذ إن هذا الأخير لا يزيد بمسلكه الاستفزازي من حدّة الصراعات اليهودية داخل إسرائيل فقط، بل يعمّق الفرقة حين يجعل يهود أميركا في وادٍ وهم يدينون أفعال إسرائيل، ويهود فرنسا في وادٍ آخر، حين يشدّون عضدها وهي ترتكب مجازرها. ويتساءل سيلفان سيبيل في كتابه «دولة إسرائيل ضد اليهود»، إن لم يكن كل هذا التمزق يغرق اليهود في القبلية؟ لأن نتنياهو «يشجع على تسعير الحملات المعادية للسامية، وهذا ما فعله في المجر» ظناً منه أنه هكذا ينجح في استعادة التعاطف مع إسرائيل.

حتى زعيم سياسي متطرف مثل أفيغادور ليبرمان يرى «تناقضاً تاماً بين عمل الحركة الصهيونية واتفاقيات الائتلاف التي تدعم الحكومة». والرئيس السابق لجهاز الموساد، تامير باردو كتب مقالة في «يديعوت أحرونوت» عنوانها «المتطرفون هنا يريدون حرب يأجوج ومأجوج»، معتبراً أن «كل يوم يمر يقربنا من نهاية الحلم الصهيوني». وخشية باردو شبيهة بمخاوف كل الإسرائيليين، وهي أن يقود تدهور الديمقراطية في بلادهم، مع بروز صورتها الدينية، بألبسة حاخاماتها السوداء، وقبعاتهم وسوالفهم، وتصريحاتهم العدوانية المتكررة، إلى انفضاض الغرب عنهم، وبشكل خاص حليفتهم وحاضنتهم أميركا. فشعور الغرب بالتشابه الثقافي مع إسرائيل كان دائماً أحد أهم أسباب التعاطف بين الطرفين.

لكن أحداً من بين المتنبئين بفشل الصهيونية، لم يغلق الباب، أو يعدّ الأمر قد انقضى. فهؤلاء لا يزالون يرون أن حلمهم يمكن إنقاذه، ولكل منهم وصفته، تتراوح بين حل الدولتين، أو الدولة الواحدة، أما المتطرفون اليمينيون والدينيون، فلا خريطة طريق لديهم غير سرقة المزيد من الأراضي وطرد من عليها.

الاختلافات ليست جوهرية في العمق، فهدف الصهيونية الاستيلاء على ما تستطيع بالقوة، أما اتفاقات السلام فهي حين يتعذر الحصول على ما يريدونه بالسطو العسكري. وبالتالي فالتباينات تأتي من تقدير الحال، ووصف الحلول المناسبة. ففي مراحلها الأولى، اختلف الصهاينة حول ما يبوحون به، وما يحتفظون به لأنفسهم. كان ثمة أسئلة: هل يعلن عن يهودية الدولة أم يفضل الانتظار؟ هل الأسلم طرد كل الفلسطينيين أم الاحتفاظ ببعضهم إلى حين؟ وما اللحظة المناسبة للتخلص ممن تبقى؟ وهل تعلن أنك تقبل بدولة فلسطينية وتفعل كل ما يعرقلها أم ترفضها لأنك في وضع يسمح لك بعدم المناورة؟ ما سمعناه من وزراء نتنياهو حول استخدام القنبلة الذرية ضد الفلسطينيين، أو التعاطي معهم بوصفهم حيوانات بشرية، أو حتى الاعتراف بالتخطيط لطردهم صوب سيناء والأردن، ليس سوى تغيير في الاستراتيجيات اللفظية حول مخططات ثابتة وواضحة.

نحن لسنا أمام صهاينة أخيار وآخرين أشرار، فالحلم الصهيوني واضح في نظرهم جميعاً؛ إقامة وطن لليهود يجدون فيه أمنهم، وينتهون من خطر معاداة السامية. كان من المفترض أن الصهيونية هي الحل، ولكن هل قامت بالفعل بحل أي شيء؟

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل فشلت الصهيونية هل فشلت الصهيونية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab