لماذا لا يفوز العرب بالجوائز

لماذا لا يفوز العرب بالجوائز؟

لماذا لا يفوز العرب بالجوائز؟

 العرب اليوم -

لماذا لا يفوز العرب بالجوائز

بقلم - سوسن الأبطح

أفريقيان مسلمان ساحليان، فازا بجائزتين أدبيتين كبيرتين، وأحدث فوزهما صدى واسعاً. حصول عبد الرزاق غورنة التنزاني الأصل، ويكتب بالإنجليزية على «نوبل» بعد 35 عاماً من نيل النيجيري وول سوينكا لها. وفوز محمد مبوغار سار على «غونكور»، أعلى اعتراف فرنسي بعد 100 سنة بالتمام، من فوز رينيه ماران، أول أديب أسود يحصل عليها. الأدب ليس له لون أو عرق، لكن تشاء التقسيمات أن يشار إلى لون الفائزين، ليقال إن الجوائز الأدبية، باتت ملونة وأكثر سماحة.
الفائزان يكتبان عن الظلم والعنصرية والتمييز. لكن الأهم، أن لكتبهما تلك النكهة الإنسانية، ويتمتعان بعمق عالٍ. ولا بد أن يتساءل العرب، لماذا يتقدم الأفارقة، رغم التمييز العتيق ضدهم، ويبقون مع هرولتهم، وبذلهم كل غالٍ ورخيص، لنيل الجوائز، بلا تتويج ولا اعتراف كبير.
الجواب موجود في النصوص الفائزة نفسها. فلا يمكن القول عن أي من الكاتبين إنه يهادن الغرب، أو يتوسل رضاه، ويؤلّف رواياته وفقاً لمعاييره وهواه. لا بل على العكس؛ غورنة مهاجر عتيق، ومع ذلك لم يرحم ما فعله الاستعمار ببلاده. ويقول إنه رغم الإقامة الطويلة في بريطانيا يكن حباً عظيماً لمسقط رأسه، وأهدى الجائزة لأهل بلده قبل أي أحد آخر. إضافة إلى أنه يوجه كلاماً قاسياً لإسرائيل ويعتبر أنها تعامل الفلسطينيين «بوحشية»، ولا يخفي تأييده لحقوق الشعب الفلسطيني، أو انتماءه لثقافة شرقية هي تلك التي جمعت أهل المحيط الهندي.
أما مبوغار سار، فكرّس روايته الفائزة «الذاكرة الأكثر سرية للبشر»، لتسليط الضوء على الظلم الذي أنزلته العنصرية البيضاء بكاتب حاز جائزة كبيرة ذات يوم، فإذا بالاتهامات بالسرقة والتزوير وقلة الأمانة، تحاصره حتى تنهي حياته المهنية. وهي مستوحاة من حكاية حقيقية، حصلت مع أديب يهديه الكتاب هو يومبو أولوغويم، حصل على جائزة «رونودو» عام 1968، وهوجم حتى الإعدام الأدبي. وسار بدوره قال بعد فوزه إنه يهدي نجاحه للسنغال ولأهله هناك وأصدقائه وأساتذته الذين علموه الكتابة وحب الأدب، قبل ناشره والمحيطين به من الجهابذة في باريس.
وما يطالب به الأديبان، هو ألا يوصما بأي صفة ويوضعا في أي خانة، بل أن يقرآ، ويفهما. فالكتابة عناء، والقراءة حرفة. وأكبر ظلم يرمى به الأديب هو اختصاره بجزئية صغيرة، أو حبسه في قمقم ضيق، بينما هو يرى وسع الفضاء.
لكن أكبر الأدباء تلحق بهم الظلامة. عبد الرزاق غورنة، يشعر بأن اختزاله بالكتابة عن عذابات المهاجرين و«التصوير الدقيق والراسخ لآثار الاستعمار وصدمة تجربة اللاجئين»، هو جزء من كل ما سلطت عليه نوبل وكان يتمنى لو رأت أكثر من ذلك. «أنا خصصت جلّ كتاباتي للناس العاديين، هذا أكثر ما يعنيني، اقرأوني لعلكم وجدتم شيئاً آخر».
فالحكم على الأدباء غالباً ما يلتصق بهم بسبب كليشيهات تدور حول كتاباتهم، أو لغاية في نفس جماعات سياسية أو دينية، تثير الغبار من حولهم.
فما كاد الأديب السنغالي محمد مبوغار سار ينال جائزة «غونكور»، عن روايته البديعة «الذاكرة الأكثر سرية للبشر»، وكان يفترض أن تزعج الفرنسيين، حتى أتته المذمة من أهله في السنغال. وكنت قد تساءلت في موضوع نشر في «الشرق الأوسط» بمجرد حصوله على الجائزة، ومن باب التندر، إن كان سار سيتعرض لنفس العسف الذي أصاب سابقيه، وجعل أحدهم موضوع روايته، بسبب لونهم، ولم يخطر لي بعد كل الاحتفاء الذي حظي به في أفريقياً أن تأتيه الضربة من بلده الأم.
لكن ما حصل، هو أنه بعد الفخر والتبجيل، بدأ سار يتعرض لحملة تتهمه بالدفاع عن المثلية، ومعاداة الدين. ومن لطائف الأمور أن يظن بعض المحتجين، أن هذا فحوى الكتاب الفائز ويضعوا عليه إشارة حرف «إكس» على وسائل التواصل، بينما الإشكال هو على كتاب سابق له، يحكي عن اضطهاد المثليين في السنغال، والتعامل معهم بقسوة. كل ذلك لا يعني أن الرجل يشجع المثلية، إنما يدعو للرحمة، لكن الفكرة لم تصل. والسبب هو أن الهجوم على الأدب لا يأتي من القراء، بل من الذين لا يقرأون.
مبوغار سار لا يجد ما يدافع به عن نفسه سوى أن يقول: «أنا ببساطة أطلب أن تقرأوا ما كتبت، وأن تحسنوا القراءة. فالقراءة مما يجدر تعلمه». فهو مستعد للانتقادات على أن تتحرى العدالة قدر الممكن.
إذا كان من ميزة للفائزين الكبيرين، فهي تعففهما بالفعل، وصدق المادة التي قدماها. فكل منهما قرأ مئات الكتب. غورنة، لم يتوقف عن المحاولة والاجتهاد، حتى شاب رأسه. أما الشاب الصغير الثلاثيني سار، فيدعو إلى التفريق بين «الأدب الذي يكتب في مكان قصي، لا علاقة له بالجوائز، والحياة الأدبية وعالم الكتب وجوائزها». ومن دون هذا التفريق ثمة فوضى ستحصل. والاثنان معاً، رغم انحيازهما الشديد، لا بل التصاقهما، بما يحدث في وطنيهما، يريدان للأدب أن يكون مكاناً للقاء إنساني. وللروائي سار جملة بديعة: «لا أريد الاختيار بين القارة الأفريقية والأوروبية، أريد قارة ثالثة، تكون مكاناً للحوار الأكثر خصوبة». فإذا كان من أهمية للرواية الحقيقية، فهي أنها تضع الأديب أمام المرآة وفي مواجهة نفسه، بدون روتوش وأقنعة. وهي بهذا تعبير عن الحالة الأنقى للنفس المثقفة العارفة، التي تحكي أحوالنا. وما على العرب كي يفوزوا إلا أن يصدقونا القول في آدابنا ورواياتنا، ويقدموا للعالم صورتهم بدون زيف.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا يفوز العرب بالجوائز لماذا لا يفوز العرب بالجوائز



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:12 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
 العرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 05:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
 العرب اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

عقار تجريبي يساعد مرضى السرطان على استعادة الوزن

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 19:13 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

ريال مدريد يستغل قضايا مانشستر سيتي لخطف رودري

GMT 09:57 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

ماليزيا تسجل أول إصابة بجدري القرود خلال عام 2024

GMT 16:57 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وفاة المخرج إيمان الصيرفي عن عمر ناهز 71 عاما

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

"رحلة 404" لـ منى زكي يمثّل مصر في الأوسكار
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab