ذكاء قاتل

ذكاء قاتل

ذكاء قاتل

 العرب اليوم -

ذكاء قاتل

بقلم:سوسن الأبطح

قررت مجلة «كلاركس وورك» الأميركية الشهرية للخيال العلمي، التوقف عن تسلم نصوص القراء، وإغلاق هذا الباب الذي تركته مشرعاً لسنوات أمام المواهب المجنّحة، لأن عدد القصص الخيالية المرسلة إليها تضاعف مع الوقت، وتبين أن ثلثه، ليس من صنع بشر، بل كتبه الذكاء الصناعي. المحرر المسؤول نيل كلارك، أُرهق من البحث المضني عن الأصيل من المزور، والتمييز بين من تعب وجدّ، ومن وجد ضالته ببضع ساعات، واكتفى بالضغط على الأزرار.

يضخ المستثمرون، في هذه الأيام الصعبة، مئات مليارات الدولارات، في سباق «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، رغم كل ما يعانيه قطاع التكنولوجيا من كوارث مالية. وتحتل شركة «أوبن إيه آي» بطبيعة الحال صدارة المشهد، إذ إن النصوص والصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية التي يتم إنشاؤها بواسطة الروبوتات، أصبحت من الآن قادرة على الولوج إلى عدد لا يحصى من الصناعات. وتأكد للجميع أن الروبوت ليست مجرد مساعد مضجر محدود القدرات، بل كاتب قصص، ورسّام ومهندس ديكور ومحاور فلسفي جاد.
عشرات الكتب على «أمازون» بات موضوعها كيف تستعين بالذكاء الصناعي لإنجاز كتابك. والأهم أن أكثر من 200 مؤلف كتبتها آلة، أو ساعدت في تأليفها، أصبحت موجودة بالفعل على منصة «أمازون» ويمكن قراءتها على «كيندل». فهل على الكاتب الذي يسهر الليل لينجز صفحتين، أن يبقى هادئاً مطمئناً، والساحة تكتسح من المزورين؟
بنظرة سريعة على «تيك توك» أو «إنستغرام» والسهولة التي يقتبس بها المشاركون فيديوهاتهم ونصائحهم عن بعضهم البعض، يمكن تخيل نوعية وعدد الكتب التي يمكن أن تؤلّف من دون ذكاء. كتب من نوع «كيف تقي طفلك من إدمان الشاشات؟» و«كيف تستخدم الأعشاب لعلاج الأمراض؟» أو «أسرع الطرق لتصبح رائد أعمال»، يمكن إنجازها بالقص واللصق، وحتى قبل أعجوبة الـ«تشات جي. بي. تي». حجة البعض للتخفيف من خطورة تلوث أجواء النشر، وفوضاه العارمة التي قد تحول عالم الكتب قريباً إلى غابة من الثرثرة التي لا لزوم لها، هو «أن الكتاب الذي يحظى بالتعليقات الجيدة سيستمر، والرديء الذي يهجوه القراء سيختفي عن شاشات المتجر، تلقائياً، ومن دون جهد من أحد».
ولكن، هل يفصح حقاً، كل الكتّاب عن الطريقة التي أنجزوا فيها مؤلفاتهم؟ بهذا المعنى، كم عدد الكتب الفعلية التي أنتجت آلياً أو نصف آلي، وتباع للقراء، دون أن يعترف كتّابها بما فعلوه؟ الناطقة باسم أمازون ليندسيه هاملتون، لا تستغرب الأمر، مع تشديدها على ضرورة أن يكون الكتّاب شفافين في التعامل مع قرائهم ودور النشر.
تبقى كتابة الروايات أشد صعوبة، من مؤلفات التداوي بالأعشاب، أو النصائح النفسية. لهذا تركز الشركات التكنولوجية على هذا الجانب، وتحاول تنقية بياناتها من السموم العنصرية، والفواحش الجنسية، ومحتويات الكراهية، من أجل نصوص أكثر إنسانية.
ورغم تخلي «فيسبوك» وحده عن 21 ألف موظف في غضون أشهر، و«غوغل» عن اثني عشر ألف موظف، في مجال بات يعاني نزفاً في الوظائف، غير أن المفاجأة هي كشف مجلة «تايم» الأميركية، عن أن هؤلاء يستبدلون في مجال الذكاء الاصطناعي بعشرات آلاف المبرمجين الذين يعملون في الظل، من خلال شركة وسيطة تدعى «ساما»، في كل من كينيا وأوغندا والهند، بتكاليف لا تتعدى الدولارين في الساعة الواحدة. وهؤلاء يقومون بسبب أعدادهم الهائلة، وساعات عملهم الطويلة والمضنية، بما كان يحتاج عشرات السنين، لتطوير ما تم إنجازه. وهو ربما ما يفسر تخفيف أعباء الموظفين المسرحين، دون أن يرف لأصحاب هذه الشركات الكبرى، جفن، أو تشعر بتقلص إمكانياتها البحثية والخدماتية.
الفوضى التي يتسبب بها الذكاء الاصطناعي، تحتاج وقتاً طويلاً لحلها. الجميع يتذمر، ويتظلّم، المعلمون، والبحاثة، والكتّاب، والمهندسون... فكل منتج آلي هو ثمرة بيانات تراكمية لخبرات إنسانية طويلة، ومن دونها، الآلة صماء عقيمة لا تدرك ولا تبتكر.
ومع ذلك، كما الكتب، فإن الصور الرقمية لا تجد اعتراضاً كبيراً في دول حقوق الملكية الفكرية، وكأنما هذا الموضوع يركن جانباً. فالمتاحف تستقبل اللوحات الرقمية التي تعتمد على تجارب سابقة دون أن تشير إليها. ولولا الادعاءات القضائية التي يقدمها بعض الكتّاب والفنانين لما تذكرنا أن ثمة انتهاكات كبرى تحصل. كتاب «الكومكس» الذي وضعته كريس كاشتانوفا لمنظمة العفو الدولية، معتمدة على رسومات غيرها، عومل في البداية معاملة الكتب الإبداعية الأصيلة، رغم أن كاشتانوفا اعتمدت في إنجازه باعترافها، على تطبيق «ميدجورني» الشهير في توليف الأساليب والصور والرسوم التي تمت تغذيته بها.
الأمر سيمتد ليشمل الصوت، حيث ستسأل أيضاً منصات يقوم عملها كله على تسجيل الأصوات مثل «سبوتيفاي» و«أوديبل» التابعة لأمازون، اللتين دفعتا وحدهما ملايين الدولارات لتسجل الكتب والمسلسلات والبرامج بأصوات مشاهير، فيما أصبح كل نص، وبأي لغة كان يمكن أن تقرأه أوتوماتيكياً، أصوات آلية، بصفر تكلفة.
كل هذا، يثير فوضى هائلة، في مجالات مختلفة، في وقت واحد. وبين المشجعين، المتحمسين والخائفين المتوجسين، من شرّ الآتي، ستكون القرارات صعبة، والأصعب منها أن فرملة موجات تسونامي «الذكاء الاصطناعي» على الأكيد مستحيلة، رغم كل ما ستحدثه من جرف في الأبنية والعمائر.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكاء قاتل ذكاء قاتل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab