إمبراطوريات الكساد

إمبراطوريات الكساد

إمبراطوريات الكساد

 العرب اليوم -

إمبراطوريات الكساد

بقلم:سوسن الأبطح

ألمانيا، القوة الدافعة للاقتصاد الأوروبي، تعاني من الركود منذ عام 2018، إنتاجيتها لا تنمو، وتركيبتها السكانية في انخفاض. هناك نقص فادح في الاستثمارات، وخوف من شلل كامل.

مصانع «فولكس فاغن» في ألمانيا، بعد 90 عاماً من العِزّ، على وشك إغلاق أبوابها، والسيارات الكهربائية الصينية تحلّ مكانها.

هذا ليس تهويلاً، بل توصيف، فرنسا (العمود الأوروبي الثاني) تتخبّط، ووصل العجز إلى 5.6 في المائة من الناتج المحلي هذا العام، مما يعطي إشارة سلبية رهيبة للمستثمرين.

وصْفة التعافي أتت من بروكسل في 400 صفحة، لكن طعمها مرّ، وتجرُّعها صعب. يتحدث تقرير برونو دراجي، (رئيس وزراء إيطالي سابق، وأحد أهم المصرفيين) عن «الخطر المميت» الذي يتهدّد سكان القارة، و«الثمن الباهظ الذي سيدفعه الأوروبيون من رفاههم وحريتهم وبيئتهم»، إن لم يتحرّكوا.

يتوجّب وفق التقرير، أن يستثمر الاتحاد الأوروبي مبالغ تتراوح بين 750 و800 مليار يورو في السنة، أي 5 في المائة من الناتج المحلي للاتحاد، نصفها يخصَّص للطاقة. دون ذلك هدّد دراجي بـ«الموت البطيء»، لكن التطبيق متعثّر، رفعُ الضرائب لجمع المال في الدول الغنية غير ممكن، وفي الدول الأوروبية الفقيرة شبه مستحيل، بالمقارنة مع «خطة مارشال» الضخمة التي أُطلقت بعد الحرب العالمية الثانية لإنقاذ أوروبا، ولا يزال يُضرب بها المثل، لم تتجاوز 2 في المائة من الناتج المحلي.

مع أن أوروبا تسعى للّحاق بالصين وأميركا، بعد أن تخلّفت بما لا يُقاس، غير أن أميركا أيضاً تعاني من تراجع فرص العمل، والتضخم، وغزو الصناعات الصينية، والحرب على الدولار. ليس صدفةً أن يهدّد ترامب من يتخلّى عن التعامل التجاري بالدولار بالمقاطعة، أو فرض جمرك يصل إلى 100 في المائة على بضائعه، من روسيا إلى جنوب أفريقيا والبرازيل والهند والصين، ودول عديدة أخرى بدأت بالاستغناء عن الدولار في مبادلاتها، وتُغوي الصين المشترين بتخفيضات تصل إلى 20 في المائة عند التعامل باليوان.

الأزمة تضرب الجميع، حتى الصين التي تباهت بقدرتها الفائقة على التصنيع خلال «كوفيد»، لا تستطيع تصريف إنتاجها داخلياً، فتُغرق به الأسواق العالمية، وتعاني من انكماش آخِذ في التفاقم، في ثاني اقتصاد في العالم، وهبوط في الرواتب، بعد عامين من نمو بلغ 5 في المائة، الصين تتمدّد باتجاه أفريقيا، تفتح الأسواق، تدفع التسليفات، وتعقد الاتفاقية تلو الأخرى، في تخطيط للمستقبل، أما اليوم فالمشكلة قائمة.

القوى الصناعية الكبرى في مأزق، تعيش مخاوف مُظلِمة، مما يفاقم من الخلافات الداخلية، والصراعات الخارجية، ويثير حساسيات، ويدفع بالمنافسة إلى حدود العدوانية القاتلة.

أرباب العولمة هم الأكثر تضرُّراً، وسعيُهم حثيث لسد أبوابها، «عصر التجارة العالمية المفتوحة التي تحكمها المؤسسات المتعددة الأطراف يبدو أنه قد انتهى»، حسب ماريو دراجي، صاحب التقرير الأوروبي، لهذا كلٌّ يبحث عن حماية حدوده ومنتجاته وصفاء عِرقه، قدر الممكن.

لكن يعجز الاقتصادان الكبيران للصين وأميركا، برغم العداء الكبير، عن فكّ الارتباط بينهما؛ لأنهما يمثّلان معاً 40 في المائة من الناتج العالمي، وأيّ منهما لا يمكنه الانفصال عن الآخر، برغم أن المساكنة جحيمية.

أوراق اللعبة التجارية العالمية تتغيّر بسرعة، ولاعِبوها يحاولون الإمساك بالخيوط الجديدة في محاولات للنجاة.

بعد فوضى «كوفيد»، بدا أن كل شيء يسير بسلاسة، مع تدفّق الأموال التي استدانتها الحكومات ووزّعتها.

حقّقت «فولكس فاغن»، و«مرسيدس»، و«بي إم دبليو»، وحتى «رينو»، أرباحاً مُجدِية، لكن الشحّ هاجمَها سريعاً. استثمر الأوروبيون 250 مليار يورو في الصناعات التكنولوجية، بوصفها الأكثر رواجاً، لكن التفاؤل كان مبالَغاً فيه، ثلاثة أرباع المركبات التي صدَّرَتها الصين بِيعَت في أوروبا، لهذا يفضِّل الأوروبيون استقبال المصانع الصينية التي تشغّل 12 مليون شخص على الاستسلام للاستيراد.

وحين بدأ الحديث عن رفع الضرائب ردَّت الصين بفتح تحقيقات حول أنواع من الألبان والأجبان الأوروبية، وكذلك بعض المشروب الفرنسي، واشتكت لمنظمة التجارة حول مخالَفات زراعية.

مدير أحد أكبر صناديق التحوّط في العالم «بريدج ووتر» الأميركي راي داليو، في كتابه «النظام العالمي المتغيّر» يشرح ما يصفه بـ«لحظة مخيفة نعيشها جميعنا»، السبب هي الديون الهائلة على الحكومات، وفشل النظام المصرفي بأكمله، وهشاشة بنيوية في تركيبة الاقتصاد العالمي، مع تعاظُم طباعة أميركا للدولار دون حساب، وبعد أن درس 500 سنة ماضية من سقوط الإمبراطوريات وصعودها، ليفهم حركة التاريخ وما نعيشه، استخلص أن ما يحدث ليس مجرد أزمة، وإنما انهيار شبيه بما حدث بعد الحرب العالمية الثانية.

في هذه الحالة، وحدها البلدان التي تتمتّع بمدّخرات كبيرة وديون منخفضة وعملات احتياطية قوية تستطيع أن تُقاوم بشكل أفضل من البلدان التي تتمتّع بمدّخرات منخفضة وديون ضخمة، صحيح أن الرأسمالية خلقت ثروات هائلة، لكنها تسبَّبت بفجوات مالية وإفراط في الاستدانة والهدر معاً، مما فتح الباب أمام ركود اقتصادي وكساد قادمَين.

 

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إمبراطوريات الكساد إمبراطوريات الكساد



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025

GMT 03:24 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

قتلى وجرحى في انفجار لغم أرضي شرقي حلب

GMT 01:13 2025 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

جليد القطب الشمالي يسجل أصغر مساحة منذ 46 عاماً

GMT 03:46 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي لـ23 شخصًا

GMT 12:58 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (103) رحيل الحبر الأعظم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab