حرب المعادن السّامة

حرب المعادن السّامة

حرب المعادن السّامة

 العرب اليوم -

حرب المعادن السّامة

بقلم : سوسن الأبطح

 

في الخطط الاستراتيجية الأميركية، فتّش دائماً عن الصين!

حرب أوكرانيا التي زلزلت العالم، وبثت الاضطراب في الاقتصادات وسلاسل التوريد، وأوقعت ما يقارب من مليون ونصف المليون ضحية بين قتيل وجريح من الطرفين، ستنتهي بصفقة تجارية وصفها ترمب بأنها «كبيرة جداً» لصالح أميركا طبعاً، تبلغ مليار دولار. أهم ما في الصفقة إعطاء أميركا حق الاستثمار في المعادن الأوكرانية النادرة، والحصول على نصفها، من دون أن تحصل على ضمانات أمنية، تحمي البلاد من شهوة روسية قريبة مقبلة. كل هذا بحجة استرداد ما دفعته الولايات المتحدة من تمويل حربي خلال السنوات الفائتة. بات جلّ ما يتمناه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن تردع هذه الاستثمارات الأميركية في بلاده، روسيا عن مهاجمته وقضم المزيد من الأراضي.

وهو ما يصفه الأوروبيون بالاستسلام المخزي، ويعملون على تخفيف وطأة الهزيمة، بإحلال بعض القوات الأوروبية بدل الأميركية بما تيسر من عتاد.

كل الكلام الكبير الذي سمعناه، عن ضرورة هزيمة الديكتاتورية متمثلة في شخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورفع شأن الديمقراطية والحرية مع بداية الحرب، تبخر، وراح هباء الريح، أمام الثروات التي يسيل لها اللعاب.

ولا بأس، والحال هذه أن يحتفظ بوتين بربع الأراضي الأوكرانية التي استولى عليها، طالما أنه، سيقبل أيضاً بأن يجعل أميركا شريكاً ومستثمراً في معادنها النادرة هو الآخر.

يصادف أن غالبية المعادن الأوكرانية موجودة في جنوب وشرق البلاد، وجزءاً وازناً منها في مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا التي أصبحت تحت سلطة روسيا.

هكذا تأخذ روسيا الأرض، وأميركا ما تحتها، والباقي تفاصيل. فبعد أن تم الترويج لأوكرانيا سلة غذاء العالم، وأننا من دونها سنموت جوعاً، ها نحن نكتشف أنها تنام على كنز من المعادن النادرة.

وقد يكون الأمر مبالغاً فيه، ومتأتياً من شعور أميركي بالهلع من فقدان معادن ثمينة هي «وقود الثورة التكنولوجية» بعد أن فرضت الصين التي تنتج 80 في المائة منها وتعالج 90 في المائة قيوداً على تصديرها.

يأمل ترمب في أن يسدّ شيئاً من هذا العجز المخيف بالسطو على باطن أوكرانيا، لكن الواقع أكثر مرارة. إذ يحتاج البحث والتنقيب وتأسيس البنى التحتية إلى عشر سنوات، لسد شيء من العجز الذي تتسبب به الصين، وهي تستخدم كنوزها أداة استراتيجية.

في السنوات الأخيرة، فرضت الصين قيوداً على تصدير معادن مثل الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون، رداً على منع أميركا تصدير أشباه الموصلات إليها. ثم أضافت الصين معادن مثل التنغستن إلى قائمة القيود، مما يؤثر مباشرة على صناعات التكنولوجيا والأسلحة الأميركية.

الحرب على المعادن بدأت منذ أعوام، المستجد هو أن وطيسها، قد تصاعد. أدركت الصين باكراً اللعبة، فحاولت احتكار معادن مهمة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، وكذلك المعادن النادرة الخفيفة مثل النيوديميوم والبراسوديميوم. وفي تسعينات القرن الماضي لفت منظّر الصين الاقتصادي والسياسي، دينغ شياو بينغ، إلى الأهمية الحاسمة للمعادن النادرة. ومنذ حينها والصين تعمل على تطوير وتنظيم هذه الصناعات، وحصرها في شركات محددة تديرها الدولة، لتتحكم في التعامل معها، بعدّها ثروة وطنية.

الموجع أن غالبية الصناعات الدقيقة التي تباهي بها أميركا تعتمد اليوم على صادرات المعادن الصينية. فهي أساسية للمعدات العسكرية كالصواريخ والطائرات، وبطاريات السيارات الكهربائية، حيث لا وجود لـ«تسلا» الفاخرة من دون معادن الصين. وهي جزء أساسي من تصنيع الجوالات، والكومبيوترات، والألواح الشمسية، والرقائق الإلكترونية، كذلك الشاشات، وأبراج الاتصالات، والأقمار الاصطناعية، وأنظمة الملاحة، وأجهزة تصوير الرنين المغناطيسي، واللائحة طويلة.

معادن أوكرانيا جزء مهم من الخطط الأميركية لوقف ارتهانها للصين، في مواد شديدة الحساسية لأمنها القومي، وصناعاتها الدقيقة، لكن هذا لن يحل وحده المشكلة. عملت أميركا على تطوير مناجم محلية مثل «ماونتن باس» في كاليفورنيا، واستثمرت في تدوير النفايات الإلكترونية، لكنها مسألة مكلفة بلا كبير جدوى، وعقدت شراكات مع دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا وكندا وأستراليا، لكن توتير العلاقات، قد يغلق هذه السبل أيضاً.

ظن الغرب أنه من الرفاهية أن يترك للصين المهام الحقيرة، مثل التصنيع الذي يحتاج إلى أيدٍ عاملة رخيصة، وإنتاج ومعالجة المعادن النادرة والسامة في الوقت نفسه. صحيح أن وظيفتها إيصالنا إلى طاقة نظيفة، لكنها بحد ذاتها شديدة الخطورة، حيث تُستخرج. فقد تلوث المياه، وتسمم التربة، وتصدر الانبعاثات التي تصيب العمال بالاختناقات والسرطانات.

ففي جنوب الصين، تحولت التلال المغطاة بالغابات وحقول الأرز إلى مساحات من الطين السام. وتسبب استخراج هذه المعادن، في كوارث كبيرة، من انهيارات أرضية، إلى انسداد أنهار، وإصابة بأمراض مميتة.

المعادن النادرة سلاح ذو حدين، اختارت أميركا أن تتمتع بمنافعها، وتترك سمومها للآخرين. فهل بدأ زمن التضحيات الجسام، مع احتدام المنافسات القاتلة؟

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب المعادن السّامة حرب المعادن السّامة



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab