جيل حطمته «فيروسة»

جيل حطمته «فيروسة»

جيل حطمته «فيروسة»

 العرب اليوم -

جيل حطمته «فيروسة»

بقلم - سوسن الأبطح

على عكس ما يشاع، فإن الوباء لا يميز بين أغنياء وفقراء، شباب ومسنين، نساء ورجال، فكل ما قيل لغاية اللحظة، كلام تذروه الرياح. فأمام الجائحة الجميع سواء.
فما كاد العالم يحتفل بولادة لقاحات واعدة، تقضي على فيروس كورونا، حتى بدأت الطفرات الجديدة السريعة، تنبت من بريطانيا، وهولندا وجنوب أفريقيا، ودول أخرى. بداية العام الجديد تشي بمزيد من الحجْر، والانهيارات الاقتصادية والضحايا. لعبة القط والفأر، لن تكون نهايتها بالسرعة التي تمنينا. ولمرة أخرى، يتبين أن الحسابات البشرية قاصرة، وأن الأنانية واحدة من العلل التي سيصعب علاجها، أكثر من الفيروسات نفسها، التي بتحوراتها تسخر من انعدام الرؤية، والحسّ بالمسؤولية الإنسانية.
من المقزز رؤية دول غنية تتناتش اللقاحات، وتفاخر علانية، بأن مواطنيها يلقحون قبل الفقراء، في زمن انعدمت فيه الحدود، ولم تبقَ إلا في أذهان من يعيشون في جحور القرن الماضي. ودول أقل حظاً تشمت بأوروبا لأنها أصبحت، مهدَ تحورات لفيروس فائق السرعة، في حين لا حصانة لأحد، طالما أن شلَّ حركة الطائرات كلياً، لم يعد ممكناً، وإغلاق معبر بحري بين فرنسا وبريطانيا يتسبب في مجاعة. وتمكن بلد مثل الأردن، أن يقي نفسه مغبة الموجة الأولى، لترتفع إصابته بشكل جنوني بمجرد إعادة الملاحة الجوية، ولبنان مثل آخر.
وقيل طويلاً إن الشباب بمنأى عن الفيروس، ليكون ما تعرضوا له أسوأ من وباء. في الأصل من بين كل تسعة مصابين ثمة طفل أو شاب دون العشرين. وحذرت «يونيسيف» من ضياع جيل، قد لا يعرف المدرسة لسنتين متتاليتين، ويتعرض لخسارة علمية يصعب تعويضها، هذا عدا تدني مستوى الرعاية الصحية حتى في الدول المتقدمة، وتأخر إعطاء اللقاحات التقليدية، ووقوع الملايين تحت وطأة الجوع. مطاعم المعدمين في فرنسا، باتت تستقبل الشبان بشكل غير مسبوق. فقد كانوا أول ضحايا ضياع فرص العمل. نصف الفقراء في بلاد النور والديجور، أعمارهم دون الثلاثين، وربعهم يعانون من الاكتئاب.
أم أميركية تقول إن طفلتها رأت في السنة المنصرمة زرافات في حديقة الحيوانات أكثر مما رأت أطفالاً. وهو ما تشكو منه ملايين الأمهات في العالم. وهذا مدمّر في السنوات الأولى. ويعتقد أن ما تتسبب فيه الجائحة من إحباط وعزلة للشباب، في سن غضة، أخطر من عدد حوادث السيارات وحالات الانتحار. وبحسب إحدى الدراسات، فإن واحداً من كل ستة شبان تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً فقدوا وظائفهم أثناء الإغلاق، في أوروبا، وآخرون خسروا المداخيل الصغيرة التي كانوا يؤمّنونها إلى جانب دراستهم.
وحتى الطموحات يبدو أنها فقدت وهجها؛ إذ يعتقد أن ثلاثة من كل أربعة شبان سيكون للجائحة تأثير طويل على مستقبلهم.
وهذا منطقي للغاية، والأزمة الحالية أكثر ما تشبّه إلى مرحلة الكساد العظيم عام 1929، التي أعقبت انهيار سوق الأسهم الأميركية، وبقيت مفاعيلها طوال الثلاثينات وبداية الأربعينات. وعنونت جريدة «لوموند» مقالاً مهماً لها نهاية هذا العام تصف الوضع بأنه «الركود الذي لا سابق له».
فأميركا ليست بخير وقد ارتفعت البطالة مما يقارب مليوناً ونصف المليون، العام الماضي، أي قبل الجائحة، لتطال 16 مليوناً حالياً يتلقون إعانات بطالة. والأسوأ أن الاتجاه هو إلى تخفيض قيمة المعونات إلى الثلث؛ خوفاً من خلق حالة من التقاعس عن العمل، وهو ما قد يتسبب في ركود أكبر.
ومن الفوائد القليلة لـ«كورونا» أنها ساوت بين الشعوب. فبين الشبان من انتقل من المدرسة إلى الجامعة، وهو وراء جهازه، والمحظوظ بينهم من بدأ عملاً، ولم يرَ من الحياة المكتبية سوى غرفة نومه التي يشتغل منها. ومهما قللت من خطورة ما يحدث، فنحن محكومون حتى نهاية الشتاء على الأقل، بنمط شبيه بما رأيناه مع بداية الجائحة. ويعتقد أن صغار السن، سيكونون أكثر تأثراً من ذي قبل بحالات العزل، والانقطاع عن العالم والإحساس بالسوداوية. وهو ما دفع علماء النفس إلى النصح بعودة ولو جزئية إلى الصفوف، لكسر حدة الأرق والإحباط التي تنال من جيل بأكمله. وهناك علامات استفهام كبيرة، حول إذا ما كان الشباب قد دفع غالياً، ثمن تأمين حياة من هم أكبر منهم سناً.
لعل بيل غيتس أحد أكبر المتفائلين بما سيحمله العام المقبل، من رؤية إيجابيات اللقاحات، إلى تطوير اختبارات سهلة وسريعة، وعقد مؤتمر دولي حول المناخ بعد انقطاع. ففي نهاية كل نفق كوة ينفذ منها الضوء. ولعل الإشعاع الكبير سيأتي من الشبان الذين يشعرون من الآن بحسب الدراسات، بأن عليهم أن يكونوا أكثر إنسانية من جيل لم يتضامن بما يكفي ليقي نفسه شر الشرذمة أمام فيروس، ولم يستخدم ذكاءه بما يليق، ليجعل بيئته أقل تلوثاً وسمّاً.
إذا كان نصف الشبان الأوروبيين يشعرون بأن مستقبلهم في خطر، بعد أن أعفي ربعهم عن أعمالهم، وانخفضت العروض الجديدة بأكثر من 65 في المائة، والأميركيون أسوأ حالاً منهم، فما هو شعور الشبان العرب، في لبنان وسوريا واليمن وليبيا؟ الذين لم نرَ دراسة تسأل عن أحوالهم؟
هل سنكون الجيل الذي أخفق مع مرتبة الشرف، بعد أن وصل إلى القمر، وأنتج أكبر ديمقراطيات في التاريخ، وجمع العالم كله على شبكة افتراضية، وحطمته جرثومة؟!

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جيل حطمته «فيروسة» جيل حطمته «فيروسة»



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 العرب اليوم - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 09:47 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 العرب اليوم - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab