أرشيف صبري الشريف

أرشيف صبري الشريف

أرشيف صبري الشريف

 العرب اليوم -

أرشيف صبري الشريف

بقلم:سوسن الأبطح

عندما تكرّم المخرج السينمائي والمسرحي منجد صبري الشريف، بتزويدي بجانب، من أرشيف والده الذي جمعه بعناية لمساعدتي في الكتابة، ربما لم يكن يعرف أنه يشرع عندي نافذة الفضول ليس فقط لجهة دور صبري الشريف المغمور مع أنه هائل وحاسم، في صناعة الفن اللبناني الحديث عموماً، ومسيرة الأخوين رحباني بشكل خاص، بل حرّضني على التساؤل عن مدى التساهل، كي لا نقول النفاق المتمادي، في كتابة تاريخ الفن. الهالة الرحبانية حجبت الرغبة في البحث، واكتفى الكتّاب بتناقل الشائع، غير آبهين بالنبش عن الحقائق.

الإذاعات هي التي كانت صنعت مجد الفنانين، قبل أن يشيع التلفزيون. وتيرة إعادة أغنياتهم على الأثير، هي التي حددت من يشتهر منهم، ومن يبقى في العدم. إيمان صبري الشريف المدير الفني لـ«إذاعة الشرق الأدنى» والمؤسس للعديد من الإذاعات العربية بموهبة فيروز والأخوين رحباني، دفع بالثلاثي سريعاً إلى الصفوف الأولى، رغم صيحات الاعتراض التي تعالت على هذا الصنف الغنائي. ثمة من وصف صوت فيروز الذي نراه ملائكياً اليوم بأنه يشبه «المواء». وشنّ محمد رسلان حملة على «ألحان غريبة، مسروقة، أُدخلت عليها بعض الكلمات العربية، وليس المقصود بها سوى أن تجرفنا مع التيار الغربي لننسى عاداتنا». ويؤكد هذا الكاتب بأن الحملة ضد الرحبانيين لن تتوقف حتى «يكفّان عن الأغاني المبتذلة والألحان الغربية المعربة؛ لأن وجودها في مجتمعنا كوجود السمّ الزعاف في غذائنا».

تمويل «إذاعة الشرق الأدنى» بريطانياً، آثار الريبة. لكن هناك نقد أيضاً لـ«إذاعة لبنان» التي تبالغ في بث أغاني فيروز، حتى كتب أحدهم «هل نسيتم أن الأغنية التي تذاع ثلاث مرات في الأسبوع ينفر منها المستمع طوال الشهر؟... فهل يجوز بعد هذا أن يُتهَم المستمعون بفقدهم حاسة الذوق؟».

رغم كثافة المقالات الهجومية ضد النمط الرحباني الجديد، استمر البث على حاله، وصعد نجم فيروز.

البث الكثيف من قِبل «الشرق الأدنى» جعل إذاعات أخرى مثل الإذاعة السورية تقبِل بشهية، على التعاون مع عاصي وتشتري ألحانه، ويطلب إليه مديرها أحمد عسّة ألا يبوح أمام الملحنين الآخرين بعدد الأغنيات التي يشتريها منه، كي لا يثير نقمتهم.

الفنان في حاجة إلى الإعلام، وصبري الشريف على رأس أهم الإذاعات في تلك المرحلة كان له اليد الطولى في إطلاق العديد بينهم فيروز والرحباني، ولكن أيضاً عبد الحليم الحافظ.

تلحظ من مقابلات الشريف الصحافية، أنه كان بالفعل العمود الرابع في القلعة الرحبانية. كانت له الرؤية بعيدة المدى، لما يريد أن تصل إليه هذه المؤسسة الفنية. هو المنظّر، المفكّر والمنفّذ، يتحدث بوضوح لا تشوبه ضبابية، عن رؤيته المستقبلية. فقد آمن بضرورة العودة إلى الفولكلور والعمل عليه وإطلاقه محدَّثاً ونقله من مرحلة الغناء العفوي مع البزق إلى الغناء بصوت منحوت بصحبة فرقة محترفة. عندما يتحدث الشريف عن اللقاء الأول مع عاصي الرحباني، يشرح أنهما منذ تلك اللحظة، اتفقا على السير معاً، وأن لا شيء يفرقهما أبداً.

كانت لصبري الشريف، رؤية للمسرح الغنائي العربي، الذي يعتقد هو أن شرارته الأولى انطلقت من أغنيات سيد درويش التصويرية، ثم وجد في لبنان بذرة صالحة وفنانين قادرين على صياغة أعمال مشتركة متعة للبصر والسمع.

من حق القارئ أن يعرف خلفيات الظواهر الفنية مهما كانت كبيرة وعظيمة. فمما يكتبه حليم الرومي عن اكتشافه موهبة فيروز، أنه قدمها لزميله عاصي الرحباني، لتشترك معه في البرامج الغنائية الراقصة. يقول الرومي إن عاصي «قال بالحرف الواحد: إن هذا الصوت لا يصلح للأغاني الراقصة، ويصلح للأغاني الخفيفة فقط». أخطأ عاصي، وأثبتت فيروز بحساسيتها التي لا تضاهى أنها فنانة العصر. قالت فيروز ذات يوم، بمجرد أن تُفتح الستارة «أحس بشعر رأسي يقف، أحس بالوحدة، بصراخ داخلي يطلب نجدتي وإنقاذي». كلما اقترب موعد الحفلات «أشعر بتكسّر في جسمي، وأرى منامات مزعجة، وأبقى على هذه الحالة العصبية، حتى ساعة الصفر، عند فتح الستار، وبدء الغناء». لكنها هي وعلى خشبة المسرح لشدة ما تشد قبضة يدها أثناء الغناء، تبرد وتصبح ككرة ثلج، وأصابعها تتشنج.

هكذا كانت فيروز تتكلم للصحافة، فمن أسكتها، ولماذا صارت تغني ولا تتكلم. يقال إن هذا هو الدور الذي رسمه لها الرحبانيان، لكن متى؟ في أي سنة؟ وما هو رأيها الشخصي في ذلك؟

مائة عام على مولد عاصي الرحباني. كان يليق بهذا العبقري الفذ، بهذه المناسبة، أن يماط اللثام عن تفاصيل بقيت تقال سراً، عن حميمات تجعل هؤلاء الذين صنعوا أفراحنا أكثر إنسانية. يتحدث منجد الشريف عن كرم عاصي الذي لا يضاهى، عن عاداته البسيطة في الأكل، عن حبه للناس، عن استقباله للأحبة على الغداء رافضاً أن يأكل وحده حتى لو نادى ناطور العمارة ليشاركه لقمته. يتحدث الرجل عن والده وعلاقته المبكرة بالرحبانية، وبعد أن أصبح شريكاً رسمياً عام 1959 ولغاية 1973، عن الحقوق بعد رحيل هؤلاء العظام. ويقول «اقترحت بما أن والدي يملك ثلث أعمال هذه الفترة، أن أشتري كل هذا الإرث، لكنهم رفضوا، واقترحت أن يشتروا هم حصة صبري الشريف فرفضوا أيضاً».

هكذا يبدو التأريخ للفن ليس فقط للكشف عما حدث في الماضي، بل لرؤية أوضح لما يمكن أن نفعل في المستقبل.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرشيف صبري الشريف أرشيف صبري الشريف



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 00:30 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

25 وجهة سياحية ستمنحك تجربة لا تُنسى في عام 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab