الصين والغرب الخروج من القوقعة

الصين والغرب... الخروج من القوقعة

الصين والغرب... الخروج من القوقعة

 العرب اليوم -

الصين والغرب الخروج من القوقعة

بقلم - سوسن الأبطح

بعد أن أصبحت الصين المصنع الكوني للأجهزة الإلكترونية، تستعد لتكون المصدّر رقم 2 للسيارات بعد اليابان، متقدمة بذلك على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وألمانيا. لكن الأمر لن يتوقف هنا، جهود الصينيين مستمرة لتجاوز اليابان بسرعة، بحيث سيبلغ عدد السيارات التي تشحنها الصين إلى خارج حدودها عام 2030 حوالي 8 ملايين سيارة. فخلال السنوات الثلاث الأخيرة العجاف، تضاعف عدد السيارات المصدّرة من الصين 3 مرات، ما يعني أنها تحقق أهدافاً عجيبة.
التطور الرقمي السريع، وانعكاساته المذهلة على الصناعات، في الأرض كما في الفضاء بدأ يعطي نتائج خارقة تقلب المعادلات، خاصة أن الصين عالمياً تسجل ما يقارب نصف براءات الاختراع، في مجال تكنولوجيا الاتصال والجيل الخامس.
والمطلع على المجلات العلمية لا يمكنه نكران الاكتساح الصيني العلمي، وكثافة الأبحاث المنشورة ونوعيتها المتميزة.
أميركا متفوقة من حيث عتادها وآلياتها العسكرية، لكن تعداد الجيش الصيني يصل إلى 1.6 مليون جندي، وهو ليس بقليل.
أميركا تدفع بلاء الصين من جهة فتجدها تطل عليها من الجهة الثانية. فعندما منعتها من الانضمام إلى محطة الفضاء الدولية، وجدت الصين وقد صارت لها محطتها الخاصة، لتتحول إلى القوة الفضائية الثالثة بعد أميركا وروسيا من خلال ما أسمته «القصر السماوي». والاسم بحد ذاته له دلالاته البليغة.
الكلام على الأخطبوط الصيني وتمدده يتزايد. والصين بحجمها الجغرافي وديموغرافيتها، وخططها المستقبلية المتشعبة، تجعل من «نظرية التهديد الصيني» التي يروج لها الغرب ما يبررها.
ومؤخراً، ازدادت المخاوف حين أعلنت الصين عن رفع ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7.2 في المائة، وهي الأعلى منذ 2019. هذا يعني أن الصين ستخصص 225 مليار دولار لنفقات الدفاع، أي ثاني أعلى ميزانية، بعد الولايات المتحدة التي تزيد عنها بحوالي 3 أضعاف.
لكن الصين تنكر أنها تخوض سباق تسلح، وتقول إن هذا ليس من مصلحتها، وأبحاثها العسكرية كما عملها التسلحي، للدفاع عن النفس وتعزيز الأمن القومي.
وسمة التنكر بلبوس البساطة له فوائده للصين التي تحرص على وصف نفسها بالدولة النامية، متذرعة بالفجوة التي لا تزال تفصل بين بعض المناطق الريفية والحضرية، مقارنة بدول متقدمة في أوروبا وأميركا. وهو ما يغيظ الغرب، ويعدونه تحايلاً، وتمسكناً في غير مكانه.
والخلاف حول قدرة الصين على تولي قيادة العالم مكان الولايات المتحدة الأميركية، يقسم الآراء بين متحمس للانتقام من القوة النزقة الكبرى، وفريق آخر يرى أن المشروع الصيني يعاني من تصدعات ذاتية لن تسمح له بالاختراق، منها شيخوخة المجتمع، ونظام الحزب الواحد، وكذلك غياب النموذج الساحر، على غرار «الحلم الأميركي» الذي جعل الولايات المتحدة تنتصر بصورتها، قبل أن تسيطر بآلتها العسكرية وقوة الدولار والدبلوماسية.
الرغبة في تسلم زمام القيادة تنكره الصين، معتبرة أنها تؤمن بتعدد الأقطاب، وتسعى إلى التخفيف من مخاطر سطوة القطب الواحد.
وتبذل الصين جهداً جباراً عبر آلتها الإعلامية التي تتوسع باطراد، لتشرح أنها نموذج أكثر إنسانية وعدالة وقدرة على تحقيق السعادة للبشرية من الولايات المتحدة الأميركية.
«مبادرة الحزام والطريق» التي أطلقها تشي جينبينغ عام 2013 تهدف إلى بناء سوق كبيرة موحدة يجمعها التبادل التجاري والثقافي والثقة، وهدفها تعزيز الازدهار العالمي. فهي تضرب عصفورين بحجر واحد، تدفع إلى بناء بنية تحتية داعمة للاقتصاد العالمي تمتد لتشمل دولاً في آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا ووسط وشرق أوروبا باستثمارات تصل إلى مئات مليارات الدولارات، لكنها في الوقت نفسه تؤمن لبضائعها سكك عبور لتملأ الدنيا بأبخس الأثمان. علماً بأن البنية التحتية تتكفل بها كل دولة على أراضيها الوطنية، وقد تعان من قبل بنوك متخصصة. لكن هذا يرتب ديوناً باتت تنوء بثقلها دول غير قادرة على السداد.
ثقافياً تخطط الصين أيضاً لأن تصبح إضافة إلى التجارة مركزاً للفن التشكيلي المعاصر.
فقد تحولت خلال سنوات قلائل، من بلد بلا متاحف إلى مركز للرسم والنحت والتشكيل، حيث إن الثقافة هي أحد العناصر التي يعول عليها الصينيون، لجعل صورتهم أجمل.
لهذا في يوم الكتاب العالمي، العام الماضي، اقترح الرئيس الصيني من خلال إعلان ترويجي، 10 كتب بـ10 لغات على سكان العالم، ينصح بقراءتها، ولكل منها ميزته، من بينها «الشيخ والبحر» و«ألف ليلة وليلة»، وهناك الألماني والفرنسي. فالصين منفتحة على الثقافات والرئيس الصيني يقرأ الأدب العالمي ويعرفه، وينصحنا ببعض المؤلفات التي انتقيت بعناية، ولها عند شعوبها مكانتها العليا.
ويتم العمل على تسهيل تعليم اللغة الصينية التي يقال إنها من بين أصعب لغات العالم لأنها ليست قائمة على الأبجدية، وإنما آخر لغة متبقية تعتمد على التصوير. وهو ما انطلقت منه الحملات لتشجع على ولوج سحر هذا الإرث الفريد.
ليس في الدنيا ملائكة وشياطين، لكنك تقرأ الإعلام الغربي، الذي يتحدث عن الوحش الصيني الهاجم بجواسيسه واختراعاته وتكنولوجيا الاحتيال، والخطط التجارية التي تهدف إلى إفقار العالم والإطباق عليه، يخيل إليك أن كل تمدد صيني إضافي هو اقتراب من الكارثة. وتقرأ كيف تقدم الصين نفسها باللين واللطف والمحبة، فتستعجل سطوتها الحريرية، وبلوغها أهدافها لتحلّ المحبة التي تدّعيها، على البشرية.
يلفت الفيلسوف الفرنسي فرنسوا جوليان، المتخصص في الصين، إلى تعقيدات كبيرة في العلاقة بين الصين والغرب، ما لم يخرج هذا الأخير من قوقعته التاريخية.
مرجعية أوروبا كانت دائماً الحضارة اليونانية، بكل موروثها ومحمولها. ثم إن الحضارة الغربية دينياً تدور حول محور واحد هو الله.
عنصران لا يتقاسمهما الغرب مطلقاً مع الحضارة الصينية التي لها قيمها، ورؤيتها للعالم. التفاهم بين الجهتين يحتاج إلى التجرد، والتفكير من خارج الموروث. وتلك مهمة صعبة، تنجح أو قد تدفع بالبشرية إلى بذل دماء كثيرة، نحن في غنى عنها.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين والغرب الخروج من القوقعة الصين والغرب الخروج من القوقعة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab