الطبقة الوسطى هواجسها وسواكنها

الطبقة الوسطى... هواجسها وسواكنها

الطبقة الوسطى... هواجسها وسواكنها

 العرب اليوم -

الطبقة الوسطى هواجسها وسواكنها

بقلم - محمود محيي الدين

استكمالاً للنقاش حول الطبقة الوسطى وما طرأ عليها من تغيرات، استضافت الشهر الماضي الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية وجمعية الشرق الأوسط الاقتصادية، الزميل البارز بمعهد بروكينغز والخبير المخضرم هومي خاراس بواشنطن الذي صدر له كتاب عن الطبقة الوسطى حول العالم. ويرصد خاراس تطور عدد المنتمين إلى هذه الطبقة التي يقدّر عددها بنصف سكان العالم، أي نحو 4 مليارات نسمة، واستغرق الوصول إلى أول مليار منهم الفترة الممتدة من أعقاب الثورة الصناعية الأولى من 1825 حتى عام 1975، تركزوا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا. بينما استغرق الوصول إلى المليار الثاني الذين امتد انتشارهم جغرافياً في ربوع الأرض فترة أقصر بكثير من 1975 حتى عام 2008. وفي العقود الأخيرة أسهم النمو المرتفع في الصين ثم الهند في ضم مليارين آخرين إلى الطبقة الوسطى وإلى شرائح أغنى.

وتشهد الفترة الحالية تصاعداً في نمو ودخول ونفوذ الطبقة الوسطى في البلدان الآسيوية التي انتقل اقتراباً منها مركز الجاذبية الاقتصادية، بينما تتشبث الطبقة الوسطى في أوروبا والولايات المتحدة واليابان بما يمكّنها من الاستمرار في الانتماء إليها. وفي هذه الأثناء تعرضت الطبقة الوسطى في عالم الجنوب لتغيرات متباينة رفعت من مكانتها الاقتصادية والاجتماعية في بلدان وعصفت بها في بلدان أخرى وفقاً للتطورات الاقتصادية التي مرت بها من نمو وبطالة وتضخم وما تيسر للبلدان المختلفة تقديمه للإسهام في فرص نمو هذه الطبقة مع زيادة المنتمين إليها من الشرائح الأقل دخلاً التي كانت تعاني الفقر.

ولتوضيح أهمية الانشغال بأحوال الطبقة الوسطى في السياسات العامة نقتطف إشارتين: الأولى أوردها خاراس ذاكراً عنوان لكتاب ألفه جيمس كارفيل وستان جرينبيرج مستشارا الاستراتيجية السياسية للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي قاد حملته الانتخابية التي فاز فيها على جورج بوش الأب بشعار «إنه الاقتصاد يا غبي!». وجاء كتاب مستشاريْه أكثر تحديداً بعنوان «إنها الطبقة الوسطى يا غبي!». في إشارة لعلاقات الارتباط والسببية الوثيقة بين النمو والتشغيل وزيادة الدخول وممكنات الطبقة الوسطى من الاستقرار ثم الازدهار بما يمنحها الفرصة لمساندة سياسات من يمنحها هذه الفرص.

والإشارة الأخرى للاهتمام السياسي بالطبقة الوسطى ما جاء في تصريح لوزير الداخلية الهندي أميت شاه بصحيفة «إيكونوكيك تايمز» الهندية بأن رئيس وزرائه حقق في الأعوام التسعة الماضية، منذ توليه الحكم، أحلام الطبقة الوسطى من خلال افتتاح مؤسسات تعليمية جديدة لتعليم أبنائهم بنوعية عالية وإيجاد فرص العمل وإتاحة مساكن بإيجارات أو أثمان مناسبة، مع دعم الخدمات الصحية وتيسير استرداد الضرائب لها، وكذلك توفير وسائل الانتقال والسفر. والجدير بالاعتبار هو ما أوردته دراسة شارك في إعدادها الاقتصادي المرموق سورجيت بالا، الذي شغل منصب المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، بأن الهند قد حققت إنجازاً بالقضاء على الفقر المدقع وفقاً للمعايير العالمية، وأن السياسات المتبعة في إعادة توزيع الدخل ينسب لها الفضل في زيادة القدرة على الاستهلاك للفئات الأقل دخلاً وبمعدلات أعلى في المناطق الريفية. وأن هذه الزيادات لا تتضمن أنواعاً مختلفة من الدعم للصحة والتعليم وتحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي وتوصيل الكهرباء للمساكن.

ويلاحظ أن البلدين الأكثر سكاناً قد أعلنا الواحد تلو الآخر بإنجاز القضاء على الفقر المدقع. فقد سبقت الصين الهند إلى ذلك بإعلانها في عام 2020 أنها توصلت إلى المستهدف المعلن بالقضاء على الفقر المدقع وهو المعوق الأكبر للتنمية المستدامة وهدفها الأول وفقاً للأجندة الأممية لعام 2030. ويأتي ذلك في وقت تراجع فيه أداء الكثير من البلدان المتقدمة والنامية في التنمية؛ إذ إن 15 في المائة فقط من أهداف التنمية السبعة يبدو على مسارات تحقيقها عالمياً، وأن 55 في المائة منها منحرف بدرجات متفاوتة عن تحقيقها و35 في المائة من الأهداف أسوأ مما كانت عليه مقارنة بإشارة البدء في 2015. والمستفاد من تجربتي الصين والهند أن جهد الارتقاء بفرص الطبقة الوسطى في الاستقرار والتقدم لا يتناقض، بل يدعم السياسات واجبة الاتباع بأولوية لانتشال من يعانون الفقر المدقع.

ولتوضيح ما استجد مع هذا الصعود الآسيوي للطبقة الوسطى والتحديات المتزايدة التي تواجهها في الغرب ومثابرتها في البلدان الأخرى، هناك دراسة أعدها الاقتصادي بالا عن الفترة المشهودة قبيل سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي حتى الأزمة المالية العالمية منذ عام 1988 حتى عام 2008. ففي هذا العالم شديد التغير متسارع الأحداث لا تكاد تكون فيه لحظة مملة للمتابع تطوراته التي شهدت فيها زيادة في نصيب الطبقة الوسطى من المنتمين إلى شرائحها الدخلية المختلفة خاصة في الصين والهند، مع تراجع نصيب شرائح من المنتمين إلى الطبقة الوسطى الأقل دخلاً في البلدان المتقدمة، هذا مع زيادة الأثرياء ثراءً في شريحة الواحد في المائة في قمة توزيع الدخل، وزيادة شريحة العشرة في المائة الأفقر في العالم، فقراً عند قاع توزيع الدخل. فلا تعجبَن من تصاعد تيارات اليمين المتطرف في بلدان الغرب وزيادة النزعات العنصرية لهذه التيارات واختياراتها العجيبة والمؤسفة في انتخاباتها العامة على مدار الفترة التالية للأزمة المالية العالمية التي اعتبرها نقطة تحول نحو بداية التراجع النسبي للقوى الاقتصادية التقليدية التي تربعت على عروش الاقتصاد والتقدم منذ الثورة الصناعية الأولى.

أراك تتساءل عن أحوال الطبقة الوسطى في بلداننا، وهو ما سأستعرضه في مقال قادم كان من الضرورة أن يأتي بعد هذه السياحة العاجلة لتفقد أحوال هذه الطبقة في الشرق والغرب ومآلاتها. ومفتاح فهم ما يصير لهذه الطبقة وكذلك بها للمجتمع بأسره ذكره الشاعران حافظ إبراهيم وخليل مطران في عام 1913 بتقديمهما لكتاب ترجماه تحت عنوان «الموجز في علم الاقتصاد»:

في الاقتصاد حياتنا

وبقاؤنا رغم المكابر

تربو به فينا المصانع

والمزارع والمتاجر

arabstoday

GMT 20:15 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أكتوبر والنصر المحسوب

GMT 10:16 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

الانتخابات يوم والمحبة دوم

GMT 18:35 2024 السبت ,11 أيار / مايو

نتنياهو مستمر في رفح .. إلا إذا…!

GMT 02:19 2024 الإثنين ,25 آذار/ مارس

عاربون مستعربون: الليدي «الساحرة»

GMT 22:11 2024 الأحد ,17 آذار/ مارس

ما بعد التعويم ؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطبقة الوسطى هواجسها وسواكنها الطبقة الوسطى هواجسها وسواكنها



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية
 العرب اليوم - مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط
 العرب اليوم - 3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
 العرب اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
 العرب اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 07:03 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:26 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يُرهن ضم مرموش في انتقالات يناير بشرط وحيد

GMT 11:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أرباح "أدنوك للإمداد" الفصلية 18% إلى 175 مليون دولار

GMT 13:23 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو وميسي على قائمة المرشحين لجوائز "غلوب سوكر"

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 04:27 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

باريس هيلتون تحتفل بعيد ميلاد ابنتها الأول في حفل فخم

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات فساتين زواج فخمة واستثنائية لعروس 2025

GMT 10:34 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتقاء شهيدين فلسطينيين في قصف إسرائيلي شمال غزة

GMT 07:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق تذاكر معرض كريستيان ديور مصمم الأحلام

GMT 06:17 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

3 ركائز لسياسة ترمب في الشرق الأوسط

GMT 05:49 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بين قاهر.. وقاتل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab