عن مسارات النمو والتقدم العربي

عن مسارات النمو والتقدم العربي

عن مسارات النمو والتقدم العربي

 العرب اليوم -

عن مسارات النمو والتقدم العربي

د. محمود محيي الدين
بقلم د. محمود محيي الدين

قال الأب الحكيم لولده، متهكماً، لماذا تجعل الأمر صعباً إذا كان في إمكانك أن تجعله مستحيلاً؟
تذكرت هذه المقولة أثناء متابعتي إحصاءات الأداء الاقتصادي والتنموي العربي عن العام الماضي. فلم تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضاً في الأداء الاقتصادي عن المتوقع كالذي شهدته فيه، بما يجعل الحديث عن التقدم العربي، خاصة مع التوترات السياسية والأمنية الراهنة، إفراطاً في التفاؤل. فمعدل النمو الاقتصادي لهذه المنطقة، التي تضم أغلب الدول العربية، اقترب من الصفر عند رقم 0.1 في المائة في عام 2019 بعدما كان 0.8 في المائة في عام 2018. ووصل معدل نمو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي لرقم سلبي بنقطتين تحت الصفر. وفي حين بلغ معدل النمو الاقتصادي للبلدان المستوردة للنفط 4 في المائة، كان معدل نمو الدول المصدرة له سالب 0.8 في المائة.
ويشير تقرير البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر منذ أيام عارضاً هذه التقديرات، إلى تراجع معدل نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إلى 0.8 في المائة في العام الأخير بعدما كان 2 في المائة في العام السابق عليه، وأن إيران، التي يضمها التقرير في الإقليم، قد شهدت أكثر معدلات النمو انخفاضاً بما يقدر بسالب 8.7 في المائة، أما مصر فكانت أكثر الدول ارتفاعاً في معدلات النمو بنحو 5.7 في المائة. ورغم التوقع بأن يكون العام الحالي أفضل من سابقه بمعدلات نمو تحوم حول رقم 2.5 في المائة، فإن هذا يستند إلى افتراضات بزيادة الاستثمار في البنية الأساسية وتحسن نسبي في مناخ الاستثمار.
هذه المعدلات المتواضعة للنمو، التي تقترب بالاقتصادات العربية من حالة ركود مستمر، لن تتحقق معها أهداف التنمية المستدامة أو رؤى 2030. فالنمو المطرد والمرتفع والمتوازن أحد الشروط الضرورية للتنمية. وبالنظر للهرم السكاني العربي نجده يزداد اتساعاً عند قاعدته مع زيادة عدد المواليد، كما تزداد قمته ارتفاعاً واتساعاً أيضاً بفضل زيادة توقعات العمر؛ وهذا يستوجب استثمارات جديدة تتوافق مع مجتمعات تجمع بين الشبابية وطول الأعمار في آن واحد.
وتتعرض موازين مدفوعات الاقتصادات العربية في الوقت ذاته لمخاطر جيوسياسية، وصراعات ونزاعات مسلحة، وتردد في خطى الإصلاح. كما يتزايد اعتماد بلدان عربية على قوى خارجية تقليدية أمسى بعضها يشهد اضمحلالاً اقتصادياً تجتهد لتواريه. هذا كله لا يجعل معدل النمو الاقتصادي المتوقع قابلاً للتحقيق رغم تدنيه. وتحتاج الاقتصادات العربية بصفة عاجلة إلى زيادة الاستثمارات، والارتقاء بإنتاجية العمل، وزيادة التصدير، والسعي للتعاون الإقليمي.
أولاً، زيادة كمية ونوعية في الاستثمارات: سواء عامة وخاصة، محلية وأجنبية مع إعطاء الأولوية لزيادة الاستثمارات الخاصة؛ لأنها قد شهدت تراجعاً كنسبة من الدخل القومي على مدار العقد الماضي، كما أن ضغوط المديونيات العامة المتراكمة لا تسمح بمزيد من الاستدانة في كثير من البلدان العربية التي اقتربت أو تخطت المؤشرات الحرجة لقدرتها على خدمة الديون. هناك حاجة إلى زيادة الاستثمار في الرعاية الصحية والتعليم وفي مؤسسات سوق العمل، فضلاً عن الاستثمارات في البنية الأساسية التقليدية وفي المرافق العامة، وكذلك في بنية التحول الرقمي. كما أن هناك فرصاً كبرى للاستثمار تتيحها برامج الاستدامة ومكافحة تغيرات المناخ مثل الطاقة الجديدة وإعادة تأهيل المشروعات الصناعية والزراعية.
ثانياً، تطوير سوق العمل: صحيح أن ضعف الاستثمارات وإنتاجيتها مسؤول عن تفاقم البطالة العربية حتى أصبحت ضعف متوسط الرقم العالمي، هذا رغم انخفاض نسب المشاركة في سوق العمل عزوفاً أو قنوطاً. لكن ضعف إنتاجية العمل مسؤول أيضاً، مع معوقات أخرى، عن إحجام الاستثمارات الخاصة عن المشاركة في قطاعات الإنتاج. فمتوسط نمو إنتاجية العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد بلغ 0.3 في المائة، في الفترة من 2013 حتى 2018 هو الأدنى مقارنة الاقتصادات النامية والأسواق الناشئة ذاتها وفقاً للتقرير المشار إليه. وتتجه إنتاجية العامل للارتفاع مع زيادة التنافسية، وزيادة رأس المال البشري، خاصة من خلال التدريب وزيادة المهارات، كما يطور من إنتاجية العمل والاستثمار المرتبط بها ارتفاع فرص الحصول على الائتمان بتيسير إجراءاته، ويزيد من الإنتاجية شفافية الإجراءات الضريبية والجمركية والرقابية، والاعتماد على نظم مرقمنة وإلكترونية في تخفيض تكلفة المعاملات ورفع معايير الحوكمة. ولعل تفعيل توصيات تقرير منظمة العمل الدولية بشأن مستقبل العمل والصادر متزامناً مع الاحتفال بمئوية تأسيسها في إطار سياسة عامة، يضع سوق العمل في طريق تطوير يناسب التعامل مع المربكات التكنولوجية ومستجدات الثورة الصناعية الرابعة.
ثالثاً، تحرير التجارة لدفع التنافسية والتصدير: يعد متوسط نصيب الفرد العربي من الصادرات غير النفطية والاستخراجية من الأدنى بين الاقتصادات النامية، ولن ترتفع الصادرات بإجراءات متناثرة أو قطاعية منعزلة عن السياسات الاقتصادية أو غائبة عما يدور في سوقي العمل ورأس المال، وإن حسنّت مقاصدها. ويندر أن تجد وثيقة لسياسات التصدير للسلع غير النفطية في البلدان العربية في إطار سياسة اقتصادية متكاملة دافعة للنمو والتشغيل والاستدامة؛ وإن وجد شيء من ذلك ندر أن تجد له حظا من التطبيق. وفي إطار النقاش الدائر عن سلاسل القيمة العالمية والسعي للتخصص في أنشطة ذات قيمة مضافة عالية يجب تفعيل السياسات المالية والنقدية لتحفيز التوطين الإنتاجي الصناعي والزراعي والخدمي وفقاً لمعايير دولية وربط المنشآت الإنتاجية بالأسواق العالمية.
تفعيل البعد الإقليمي: وفقاً لمعايير الاندماج لسنا إقليماً اقتصادياً ولا الأقاليم الاقتصادية تشبهنا. فأسس التعاون والاندماج الاقتصادي بين دول الجوار الجغرافي لا تكتفي باتفاقيات لا تفعّل ومواثيق لا تطبّق. ومقارنة سريعة بين منطقتنا وتجمع «آسيان»، الذي أنشئ عام 1967 ويضم اليوم 10 دول جنوب آسيوية، نستطيع معرفة الفرق بين الحديث عن التعاون وتفعيله في تدفق لحركة التجارة والاستثمار وانتقال العمالة وضوابطها والمشاركة في نشر المعارف والاستفادة من التكنولوجيا. وها هم يجتمعون برئاسة فيتنام تحت شعار «التمساك وسرعة الاستجابة»، إدراكاً منهم لظروف المخاطرة وعدم اليقين التي تعتري اقتصاد العالم وسياساته، ويعطون الأولوية هذا العام لمحاور خمسة تشمل الاستقرار والسلام، والاندماج الاقتصادي وتجسير الفجوات في إطار تحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ الهوية والقيم المشتركة لـ«آسيان»، وتعضيد المشاركات مع التجمعات والدول الأخرى، وزيادة الكفاءة المؤسسية للتجمع وإجراءات عمله.
لن يتحقق أي مما سبق، على النحو المرجو، دون تفعيل قواعد الحوكمة وإنهاء التضارب والتداخل في المفاهيم وممارساتها بشأن الدور التنموي للدولة، ويقصد بها هنا دور الحكومة والشركات العامة في النشاط الاقتصادي. وهناك من يشتكي مما يطلق عليه أثر مزاحمة الاستثمارات العامة للخاصة، وهناك من ينادي بالمزيد منها. ومع هذا الجدل تجد تخصيصاً لما وجب فيه عمومية النفع وتأميماً لما يجدر به أن يكون خاصاً، وبهذا يختلط الحابل بالنابل وتتعقد أسس المحاسبة والمساءلة. لا شك أن للاستثمارات العامة دوراً حيوياً في النشاط الاقتصادي والتنمية، خاصة عندما ترتفع التكاليف الثابتة وتطول فترات انتظار العائد وتزداد المخاطر. وفضل الاستثمارات العامة على البحث والتطوير والبنية التكنولوجية في الدول المتقدمة اقتصادياً غير منكور، وكذلك الأمر في البنى الأساسية والمرافق العامة ذات الطبيعة الاحتكارية ويلزم دخول الاستثمارات العامة في غير ذلك اتفاقاً على ضرورته وتكلفته وبدائله، وأساليب الدخول والتخارج بما يحقق الصالح العام والنفع لعموم الناس.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مسارات النمو والتقدم العربي عن مسارات النمو والتقدم العربي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أكرم حسني يكشف حقيقة تقديمه "الناظر 2"
 العرب اليوم - أكرم حسني يكشف حقيقة تقديمه "الناظر 2"

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab