عن مواجهة الحروب الاقتصادية

عن مواجهة الحروب الاقتصادية

عن مواجهة الحروب الاقتصادية

 العرب اليوم -

عن مواجهة الحروب الاقتصادية

بقلم د. محمود محيي الدين

يعاني العالم حروباً اقتصادية وليست تجارية فقط بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة. فالتجارة الدولية في تراجع وسلاسل الإمداد اعترتها مربكات القيود التجارية الجمركية وغير الجمركية، والنظام الدولي المتعدد الأطراف يعاني وهناً واستضعافاً على النحو الذي تشهده منظمة التجارة العالمية من أزمة تعوقها عن القيام بعملها الذي أسست من أجله. فآلية فض المنازعات الدولية معوقة عملياً منذ عام 2018، وأتت الاجتماعات الوزارية الدورية للمنظمة على مدار السنوات الماضية بأقل من التوقعات رغم تواضعها، فلم تشهد مجالات الإصلاح الرئيسية جديداً في ما يتعلق بقواعد التجارة الدولية، والشفافية ونظم الإخطار، وفتح أسواق جديدة، وفض المنازعات.

وعلى سبيل التذكرة، لم تكن لتتمكن بلدان عالم الجنوب من تحقيق ما أنجزته في التنمية ومكافحة الفقر وزيادة الدخول منذ التسعينات من القرن الماضي، إلا بفضل التوسع في تجارتها الدولية تصديراً واستيراداً لمكونات الإنتاج ودفعاً لآليات المنافسة في تحسين نوعية السلع والخدمات؛ وهو ما جذب إليها استثمارات محملة بتمويل لمشاريعها ومعارف وفنون إنتاجية متطورة.

وإذا ما كانت منافع التجارة الدولية، التي يجرى إهدارها اليوم، متحققة للاقتصادات الأكبر حجماً فلا غنى عنها للبلدان التي تعاني صغر الأسواق وضعف اقتصاداتها بما لا يمكنها توليد فرص عمل أو زيادة دخول سكانها اكتفاءً بمواردها المحلية. فلا بديل لها عن زيادة فرص التصدير والاستثمار لدفع النمو، ولن تعالج إجراءات إحلال الواردات في علاج اختلالات موازين التجارة والمدفوعات إلا في القطاعات التي تتمتع بها البلدان بمزايا نسبية وتنافسية ممكنة لها من ذلك. وبعد عقود من اتباع بلدان نامية سياسات شعبوية تحت مسميات مثل «من الإبرة إلى الصاروخ» لإنتاج أي شيء وكل شيء بدعايات طنانة ومبادرات متهافتة من دون دراسات للجدوى، لم تحصد إلا تراجعاً في الأداء الاقتصادي ومزيداً من العجز التجاري والاستدانة الدولية. على عكس ما تحقق للبلدان التي اتبعت سياسات صناعية في إطار استراتيجيات متكاملة للتنمية بتمويل منضبط لاستثماراتها حقق لها نمواً مطرداً تراكمياً لم يقل عن 7 في المائة في المتوسط هيأ لها الانتقال من حدة الفقر المدقع إلى مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي.

ولكن ما هي الفرص المتاحة اليوم مع ما يشهده العالم من حروب اقتصادية؟ فساحات الحروب الدولية تجاوزت التجارة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر بزيادة موانعه، كما انتقلت إلى تحجيم فرص التعاون التكنولوجي بما فرضته قوانين بمنع صريح للمشاركة في مجالات بعينها لتعويق فرص المنافسة. فما يعرف بالسياسة الصناعية الجديدة المتبعة مؤخراً في البلدان المتقدمة صاحبتها إجراءات معوقة للتجارة والاستثمار، بل والتدريب والتعاون الفني واستقدام العمالة. وتنوعت المبررات لهذه الإجراءات بين دوافع الحفاظ على الصدارة، والتصدي لتغيرات المناخ، وتمتين سلاسل الإمداد التجارية، واعتبارات الأمن القومي والتحديات الجيوسياسية. ومن القطاعات الإنتاجية التي تشهد أكثر من غيرها مظاهر الحروب الاقتصادية الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وأشباه الموصلات والرقائق، والمعادن الحيوية، والصلب والألمنيوم، والصناعات الدوائية، والمنتجات المنخفضة الكربون، والأنشطة ذات الاستخدام العسكري والمدني المشترك.

في ظل هذه التطورات المحتدمة للحروب الاقتصادية العالمية وتزايد الأزمات وانهيار الثقة وما يعانيه الاقتصاد العالمي من تفتيت، يستلزم التحرك على أربعة مستويات:

أولها يبدأ بإدراك أن تقدم اقتصاد الدولة يكون من داخلها، وهو حصيلة تفاعل لمؤسساتها وسياساتها وأسواقها. فإذا ما تراجعت فاعلية المؤسسات فافتقدت متطلبات الحوكمة والحكمة في إدارتها، وإذا ما اضطربت السياسات العامة فغاب التنسيق بينها واختلطت أدواتها بأهدافها بلا وضوح لأولوياتها، وإذا ما أهدرت كفاءة الأسواق فاختلت فيها قواعد المنافسة وتماهت أدوار القطاع الخاص مع وظائف الحكومة وتوابعها بلا ضوابط، فأنى يتحقق التقدم المنشود؟

ثانيها يأتي بالتمسك بالعلاقات الثنائية القائمة التي تجمع بين الدول وشركائها الاقتصاديين والبناء عليها، وألا تؤخذ باعتبارها من مسلمات الماضي، مع ضرورة مراجعة مدى توازن العلاقات في مكوناتها وإشراك القطاع الخاص في دفعها.

وثالثها يتحقق بإحياء محاور التعاون الإقليمي؛ فعلى مدار الشهر الحالي استضافت الرياض والكويت والقاهرة ونيروبي تجمعات إقليمية اقتصادية ومالية بدأت باحتفاء بنك التنمية الإسلامي في الرياض بمرور 50 عاماً على تأسيسه بما يضمه من 57 دولة حول العالم. ثم استضافت الكويت اجتماع مؤسسات مجموعة التنسيق العربية ولجنة المساعدات الإنمائية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ثم استضافت القاهرة اجتماع الهيئات المالية العربية، وانعقد الاجتماع السنوي الستون لبنك التنمية الأفريقي في العاصمة الكينية نيروبي. وفي هذه التجمعات فرص واعدة تمنحها مناطق الجوار الجغرافي.

ورابعها يتمثل في توطين التنمية بإيلاء الأولوية للاستثمار في القرى والمدن بتطوير رأس المال البشري والبنية الأساسية والتكنولوجية ومجالات الاستدامة والاقتصاد الأخضر.

 

arabstoday

GMT 00:06 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

صدمة خامسة!

GMT 00:04 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

شكرا للسيدة الهولندية!

GMT 00:02 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

بعد 50 عامًا

GMT 00:00 2025 السبت ,19 إبريل / نيسان

الاختيار

GMT 11:27 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

دوشة الطرابيش

GMT 11:26 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

تريليونات ترمب وفلسطين

GMT 11:24 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

ذكريات الحرب وبطولات الأحياء!

GMT 11:22 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

شبكة الأردن... واصطياد السمك الإخواني

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مواجهة الحروب الاقتصادية عن مواجهة الحروب الاقتصادية



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:00 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat
 العرب اليوم - منصة إكس تطلق منصة مراسلة جديدة تسمى XChat

GMT 09:17 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

قصة سوسن... ومآسي حرب السودان

GMT 15:06 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

الأمطار تسبب اضطرابات في شمال إيطاليا

GMT 15:05 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

ثلوج وأمطار كثيفة تضرب جنوب غرب سويسرا

GMT 15:04 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب إندونيسيا

GMT 07:39 2025 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

وفاة الفنان المصري سليمان عيد

GMT 17:14 2025 الخميس ,17 إبريل / نيسان

منذر رياحنة يتحدث عن علاقته بمصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab