بقلم - أمينة خيري
وضعت حرب القطاع، ولو أنها ليست حربًا بالمعنى المعروف، نصف أوزارها أو فلنقل ثلثها. أغلب الظن أن إسرائيل صنعت بغزة ما تعتبره مناسبًا لبدء خطة «اليوم التالى». ما فعلته إسرائيل بغزة وأهلها وبنيتها التحتية وكذلك الفوقية هى أنها جعلتها «على المحارة» أو «على الطوب الأحمر».
والقطاع حاليًا – حسبما تعتقد إسرائيل- جاهز لـ«التشطيب» بالشكل الذى تراه إسرائيل مناسباً لرؤيتها. تبقى الرؤية سرية، لكن ما أقوله هنا إن الحرب بمفهوم «الأخبار العاجلة» والتصاقنا بكنباتنا لنتابع الدمار والقتل والخراب على الهواء مباشرة قد انتهى أو كاد.
بالطبع سيستمر تواتر أخبار مقتل عشرة أو عشرين أو مئة، أو استهداف مستشفى أو مبنى أو عمارة سكنية، أو قصف طريق أو معبر، لكن أهداف «الحرب» تحققت، وهى الأهداف التى سنعرف جزءًا بسيطًا منها فى الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.
دعك من حكاية أن أمريكا طرحت حلًا، وأن إسرائيل اعترضت، أو أن إسرائيل أعلنت عن مخطط، وأمريكا تحفظت إلى آخر الحلول والتصورات المطروحة والاعتراض والتحفظ عليها.
وعلى الرغم من أهمية اعتراف دول عدة بفلسطين، والشقاق غير المسبوق بين منظمة الأمم المتحدة وإسرائيل، وتظاهر طلاب جامعات غربية كثيرة من أجل غزة، ومن مقاطعة محلات قهوة وهامبرجر ومنتجات صابون ومياه غازية، إلا أن «اليوم التالى» يسير فى طريق آخر تمامًا.
أخشى أن «اليوم التالى» لا يبشر بخير كثير. التراشق الكلامى بين السلطة الفلسطينية والمرشد الإيرانى دال فيما يتعلق بـ«اليوم التالى». المرشد على خامنئى قال مثنيًا على عمليات حماس فى أكتوبر الماضى وما نجم عنها من حرب على القطاع وأهله، إنها «خلطت الأوراق (بالمعنى الإيجابى) فى لحظة حساسة كان العدو يسعى فيها إلى تطبيق مخطّط السيطرة على المنطقة. وكانت ضرورية للمنطقة. وعلى الجميع ألا يعقدوا آمالهم على اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة». والسلطة الفلسطينية وصفعت الرؤية الإيرانية بـ «الهادفة إلى التضحية بالدم الفلسطينى وتدمير الأرض الفلسطينية وأن الشعب الفلسطينى ليس بحاجة إلى حروب لا تخدم طموحاته إلى الحرية والاستقلال».
ما نحن مقبلون عليه هو «اليوم التالى». و«اليوم التالى» ليس مجرد توقيع الأطراف المتحاربة (رغم أنها ليست حربًا) على نصوص اتفاقية أو معاهدة. نحن مقبلون على شكل جديد للمنطقة، وهو الشكل المرسوم منذ زمن، لكن تسارع تحقيقه فى اليوم التالى للسابع من أكتوبر الماضى.
لا أصدق أن هدف إسرائيل هو القضاء على «حماس». إسرائيل أذكى من ذلك بكثير، وإلا لتم القضاء على جماعات فكرية بقرار محكمة. وحين تتحدث إسرائيل عن عدم قبولها لحكم حماس لغزة بعد انتهاء الحرب، فهى تعلم جيدًا أنه حتى فى حال تحقق ذلك، فإنها تصدر «حماس» لخارج حدود غزة.
«اليوم التالى» لحرب القطاع التى تفجرت يوم 7 أكتوبر الماضى ليس عشوائيًا أو من وحى المعركة. لقد تم التخطيط له جيدًا، لا بل جيدًا جدًا.