بقلم - أمينة خيري
هدأت فورة الأخت التى تدعو إلى دين بمواصفات السبعينيات. هدأت مقاطع الفيديو التى تسللت إلى كل فج عميق وغير عميق لتنشر «علمًا» بغيضًا بين البسطاء عن أمور دينية من شأنها أن تساهم فى إضافة مسمار جديد فى نعش الفكر الدينى الملتبس الذى غرقنا فيه من رؤوسنا إلى أخمص أصابعنا. أقول «علمًا»، لأن المحتوى ينتمى إلى مدرسة فكرية باتت راسخة، لا رغم أنف التفسيرات الدينية الهادئة الوسطية فقط، بل رغم أنف المنطق البسيط القائم على أساس أن واحدًا زائد واحد يساويان اثنان.
بزغ نجم الجنون فى مجتمعنا منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، جنون التشدد والغرابة ومحاولة السير عكس اتجاه العقل والفطرة. سرطان السير عكس الاتجاه فى الشوارع هو نفسه سرطان نسخة التدين الشائعة التى تعتنق مبدأ الغرابة لدرجة الهزل، والدق على فكرة أن الدين وُجِد لتعذيب البشر وجعلهم يشعرون بالذنب والخوف والرعب طيلة الوقت، وكلما ضيق المتدين على نفسه حياته، كانت منزلته عند رب العباد أعلى وأسمى!.
الشخص الذى يعتقد أن السير العكسى فى شارع أو حارة أو ميدان أمر عادى لا غبار عليه، ولا مانع أبدًا من أن يتوقف قليلًا ليصلى الظهر، وربما ليعظ سيدة بأن عليها أن ترتدى ملابس غير تلك التى ترتديها لأنها تحمله ذنوب «البصبصة» و«الشمشمة»، ثم يعود لإكمال مسيرته عكس الاتجاه.
المحتوى الذى تقدمه هذه السيدة أثار جدلًا بين البعض، لكنه أعجب كثيرًا البعض الآخر. ولن أبالغ إن قلت إن البعض المعجب بهذا النوع من المحتوى يفوق الغاضبين بمراحل. شخصيًا، أرى هذه السيدة ضحية لخطاب دينى مشوه، تُرِك يرتع فى ربوع مصر منذ عقود، وما زال متروكًا.
هى مجرد واحدة ضمن آلاف تزخر بهم الـ«سوشيال ميديا»، ومدارس يتبرع فيها المعلمون والمعلمات بتربية الصغار على الدين الجديد، وجدران شوارع ومحال عامرة بإعلانات عن «ميس فلانة» و«مستر علان» (ولا هذه ميس ولا ذاك مستر). تعلم الصغار قواعد قراءة القرآن وتشرح لهم الدين. هى قنابل كثيرة فى كل مكان تنقل محتوى ما أنزل الله به من سلطان.
هو محتوى لم تبتدعه الأخت المشار إليها، بل ابتدعه «أمراء الدين الجديد» الموجودون حولنا فى كل بيت وشارع وعمارة وكومباوند وقرية ومدينة. هو محتوى يخاطب البسطاء. والبساطة ليست فقر المال، بل فقر الفكر. هناك من يعتقد أن التفكير المستقل غير الحاصل على إذن مرور من أحدهم يفسد العقول، ويضلل القلوب، ويخرب المجتمعات. وما إن تبدأ الحديث عن التفكير النقدى، وتحكيم المنطق، وعدم الخوف من طرح أسئلة، حتى ترتعد الأوصال وتنتفخ العروق ويتهمونك بأنك جئت لتهدم الدين، وبالطبع تدعو إلى أن تمشى النساء عرايا فى الشارع وتنتشر الفاحشة... إلخ. نسيت أن أضيف أن الكائن الأنثوى يمثل حجر الزاوية فى الدين الجديد.
وإلى فورة قادمة بإذن الله.