بقلم - حبيبة محمدي
لعلَّ الكتابةَ هى عملٌ انقلابىّ ضد القبحِ والظلم والقهر والذُّل والهوان، فى هذا العالَم وفى كلِّ تجلّياته، عمل انقلابى ضد كلِّ أشكال العَفَنِ البشرى!!.
انقلابٌ يقودُه عقلٌ متجاوِز لزمنِه، واعٍ بإرهاصاتِ واقعِه، عمل انقلابى يقودُه الكاتبُ فى أعلى درجاتِ تصالحِه وحريتِه معًا، حيث الرُّوحُ فى أعلى تجلّياتِ نقائِها وصفائِها، متجاوِزة لكلِّ الأعراض، مُبْقيةً على الجوهرِ، فحسب!
والكتابُ المُستوحى منه عنوانُ المقال، هو كتابٌ للشاعر الكبير «نزار قبانى»، وهو ليس قصائد شعرية فى أى لون، بل إضاءات تجمع بين الأدبِ والفكرِ والنقدِ والسياسة، والسخريةِ والتأمل، محافِظا فى كلِّ ذلك على جمالِ أسلوبه والتصوير لديه، وعلى عمقِ تفكيرِه وبساطته المعهودة، فى آنٍ واحد.
هذا هو الجزء الثانى والأخير من مقالى على هامش ذكرى الشاعر العربى الكبير «نزار قبانى»، المصادف لـ«٣٠ إبريل» - رحمه الله - علمًا أنَّ سيرةَ ومسيرةَ الشاعر، لا تكفيهما مقالاتٌ محددّة، بل تحتاجُ إلى دراساتٍ أكاديمية متخصصّة.
وأفتحُ قوسًا لأقولَ: (إنَّ «المصرى اليوم» المنبر الإعلامى الجاد والمحترم، هو الأكثر انفتاحًا بكلِّ وعى وتقدير ومسؤولية، فى الكتابةِ، على كلِّ الرؤى والآراء والمواضيع، على اختلافِها، ممّا جعلَ منه المنبرَ الأكثرَ موسوعيةً وموضوعيةً وقراءةً، والأقوى تأثيرا.
و«شهادتى مجروحة» بالتأكيد، كما نقول باللهجة المصرية الجميلة، لأنّنى فردٌ من هذه الأسرة المحترمة، ولى الشرف).
بالنسبة للشاعر «نزار قبانى»، نذكر بعضَ الإضاءات من كتابِه الجرىء:
إنَّ اللغةَ العربية تُضايقهم، لأنَّهم لا يستطيعون قراءتَها! والعبارةُ العربية تُزعجهم، لأنَّهم لا يستطيعون تركيبَها..
وهُم مقتنعون أنَّ كلَّ العصور التى سبقتْهم هى عصورُ انحطاط، وأنَّ كلَّ ما كتبه العربُ من شعرٍ منذ «الشنفرى» حتى اليوم.. هو شعر ردىء ومنحط!
تسأل الواحد منهم عن المتنبى، فينظر إليكَ باشمئزاز، كأنَّكَ تُحدثه عن «الزائدة الدودية»!، وحين تسأله عن (الأغانى) و(العقد الفريد) و(نهج البلاغة) و(طوق الحمامة)، يردُّ عليكَ بأنَّه لا يشترى أسطوانات عربيةً ولا يحضر أفلامًا عربية!.
(إنَّهم يريدون أنْ يفتحوا العالَمَ وهُم عاجزون عن فتحِ كتابٍ، ويريدون أنْ يخوضوا البحرَ وهُم يتزحلقون بقطرةِ ماءٍ، ويُبشّرون بثورةٍ ثقافية تحرق الأخضرَ واليابس، وثقافتُهم لا تتجاوز بابَ المقهى الذى يجلسون فيه، وعناوينَ الكتبِ المترجمة التى سمعوا عنها.!).
هذا هو «نزار قبانى»، الذى ظلَّ على مدى أكثر من خمسينَ عاما، يملأُ الدنيا شعرا ونثرا، لقد كان المتمرّد الغاضب، والعاشق المُحبّ؛ ولعلّ الاحتفاء بذكراه، يكون بقراءتِه دائمآ ودراسةِ أعماله، هو وكلّ أيقوناتِنا العربية فى الإبداعِ والأدب، والفكرِ والثقافة