بقلم - حبيبة محمدي
بدايةً، أتساءلُ: كيف لآلةٍ أنْ تُكْمِلَ أجزاءً من روايةٍ، أو تكتبَ نصوصًا شعريةً؟!.
أعترفُ أننّى أكرهُ كلَّ ما هو «اصطناعى» أو «مُتصَنَّع»، مثل «الذكاء الاصطناعى»، هذا المصطلح الذى انتشر مؤخرًا، والذى، الهدف منه، كنظامٍ اصطناعى، هو جعلُ الآلةِ تُكملُ مهمةً بشرية معقّدة، بكفاءة!، وحتى لو سلّمنا بأنَّ الأمرَ مسموحٌ به ومفيد فى العلومِ عمومًا، لكنّه غيرُ مقبول وخطير أن يحدثَ فى الكتابةِ والإبداع لأنَّ مجالَ الإبداعِ، عمومًا، قراءةً وكتابةً، معرفةً، فنًّا وفكرًا، يصعبُ أن تنوبَ فيه آلةٌ صمّاء عن الإنسان!.
إنَّه قتلٌ لروحِ المبدعِ التى ينفخُ منها فى عملِه وإنتاجِه!.
وأتساءل: تُرى إلى أين ستأخذنا كلُّ هذه التطوّرات التكنولوجية الجديدة، التى اجتاحتْ حياتَنا وحوّلتها إلى مجرّدِ أرقام، وكدنا بسببها نفقد المعنى الحقيقى للإنسان؟!.
بالتأكيد، من المفترض أنَّ كلَّ تطوّرٍ علمى ومعرفى جُعل من أجلِ خدمةِ الإنسان ومساعدتِه لحلِّ بعضِ المشكلات المعرفية، وفى صالحه، لكنّه يبقى سلاحًا ذا حدّين!.
كثيرون منّا مازالوا يمارسون حياتَهم بطريقةٍ كلاسيكية، نوعًا ما!؛.. مازلتُ أحبُّ الأجواءَ الكلاسيكية فى كلِّ شىء، كالذوقِ، مثلًا، فى مشاهدةِ أفلام السينما القديمة، أحبُّ حقًا زمنَ «الأبيض والأسود» بكلِّ تجلّياته ومشاعره فى مجالاتِ الحياة، الشوارع القديمة، المنازل التراثية، طباعنا وأصولنا القديمة.. «لدىَّ نوستالجيا» لكلِّ ذلك.
وأيضًا أحبُّ قراءةَ الكتبِ بالطريقة القديمة وذلك بحملِ الكتاب مباشرةً وليس عن طريقِ الشاشة لأنَّ ملامسةَ الورقِ تُشعرنّى بالدفء وبالتواصل الرُّوحى مع الأفكارِ التى أقرأ؛ كما أحبُّ أيضًا الكتابة على الورقةِ البيضاءِ مباشرة قبل النقل إلى جهازِ الحاسوب أو غيره!.. هذه التركيبة الإنسانية الكلاسيكية جدًّا أو «الدقة القديمة»!، بالتأكيد تنزعجُ من هذا الذكاء الاصطناعى!.
أخشى ما أخشاه أن يأتى يومٌ وتصبح الأجهزةُ هى التى تقرأ أو تكتب بديلًا عن الإنسان كاتبًا ومبدعًا!، خاصةً بعد أن قرأتُ مؤخرًا خبرًا ذكرتْه صحيفةُ «تليجراف» البريطانية، مفاده أنَّ روائيةً يابانية اعترفتْ بأنّها كتبتْ أجزاء من روايتها بمساعدةِ الذكاء الاصطناعى!.
الرواية، عنوانها «برجُ التعاطف فى طوكيو»، وفازتْ بجائزةٍ مرموقة للكُتَّاب الجُدد!.
للفيلسوف «نيتشه» عبارةٌ شهيرة، هى: «اكتبْ بدمِكْ»، وتعنى أنَّ الكتابةَ فعلٌ إنسانىٌّ أصيل، فيه مشاعرُ وأحاسيسُ وانفعالاتُ الكاتبِ، فيه روحُه، بل دمُه!. إنَّ الكتابةَ فعلٌ روحى وعقلانى خاص بالمبدعِ وحده، هى تجربةٌ فردية تُشبه حالَ المتصوّف، تجربةٌ ذاتية خاصة بالمبدعِ وحده، ولا تخصّ أحدًا سواه، ومَنْ ذاق عَرَف!.
إنَّ حالةَ الإبداعِ حالةٌ- لا ولن- تنوبَ عنها آلةٌ، مهما بلغتْ مِن الذكاءِ.