السودان حرب على هامش الحرب

السودان: حرب على هامش الحرب

السودان: حرب على هامش الحرب

 العرب اليوم -

السودان حرب على هامش الحرب

بقلم - عثمان ميرغني

السودان من بين الدول التي شهدت انقلابات ومحاولات انقلاب أكثر من أن تحصى، حتى صار أبسط الناس، ناهيك عن العسكريين، يعرفون أبجدياتها وخطواتها. فالأهداف الأولى للانقلابيين تكون عادة فرض السيطرة على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، والسيطرة على مقار الأسلحة الرئيسية وبالأخص سلاح المدرعات، واعتقال القيادات، والسيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون لبث «البيان رقم واحد» وما يليه من قرارات ومن ثم التحكم في «الميكروفون» الذي يخاطب الناس.

لذلك فإن أول ما يخطر على البال عندما تسمع الروايات التي شغلت الناس خلال اليومين الماضيين عن محاولة انقلابية في الخرطوم واعتقال ضباط (قيل إنهم ثلاثة فيما جرى تداوله في الساعات الأولى)، هو أن الأمر كله «زوبعة في فنجان»، ضُخمت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي وإدمان السودانيين عليها، وسرعة تداولهم لكل ما تقع عليه أنظارهم ومن دون تمحيص أو تفكُّر في كثير من الأحايين.

هل يمكن لعاقل أن يفكر في انقلاب عسكري في هذه الظروف؟ على ماذا سيسيطر؟ قيادات الجيش العليا موزعة بين بورتسودان والخرطوم وأمدرمان، والإذاعة والتلفزيون خارج السيطرة في الوقت الراهن، وقوات الجيش كلها مسلحة ومنتشرة في مناطق العمليات الشاسعة والبلد في حال حرب. كل هذه الظروف، كما يخبرك العسكريون، تعني أنه لا فرصة لنجاح أي عملية انقلابية، مهما كانت عقلية المغامرة والمخاطرة لمن يفكر فيها.

لذلك لم يكن غريباً أن رواية المحاولة الانقلابية سرعان ما ارتبكت؛ إذ أدخلت عليها تعديلات بين الرواة المختلفين، فقيل بعد سويعات قليلة إنها لم تكن عملية انقلابية وإنما تذمر بعض الضباط المتحمسين من بطء قرارات القيادة العليا في إدارة المعركة، وعدم إطلاق يد القوات المسلحة لتنفذ هجوماً شاملاً على قوات الدعم السريع باستخدام كل القوة النارية المتاحة. حتى هذه الرواية سرعان ما أُضيفت إلى طبختها «بهارات» ليقال إن الأمر انشقاق وإن الصراعات تفجرت بين مجموعات مختلفة متناحرة، مرة على أسس عقائدية، ومرة على أسس جهوية، ومرة ثالثة من منطلقات التشكيك في الولاءات. وفي هذا الإطار ربطت التكهنات المتطايرة في كل اتجاه بين الاعتقالات وزيارة عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق إبراهيم جابر لمنطقة وادي سيدنا العسكرية للإيحاء بوجود خلافات ومحاولات لتعطيل العمليات العسكرية المتسارعة في منطقة أمدرمان.

وعلى الرغم من النفي الذي أصدره مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بأنه لا صحة لأنباء محاولة انقلابية، فإن هذا لم يوقف ماكينة الشائعات والتكهنات والمبالغات، بل إن موقعاً صحافياً إلكترونياً اختار أن يعنون للموضوع بـ«اعتقالات بالجملة تطول قادة الجيش»، واشتط الخيال في عنوان آخر زعم أن الجيش السوداني بدأ التفكك من الداخل، بينما ذهبت الإثارة بجهات أخرى إلى التكهن بمحاولة لاغتيال الفريق ياسر العطا الذي يشرف على العمليات الناجحة في قطاع منطقة أمدرمان ويتمتع بشعبية وسط جنوده وبين الناس.

محاولات إثارة البلبلة هذه تأتي في الوقت الذي تحرز فيه القوات المسلحة تقدماً واضحاً في محاور العمليات العسكرية في منطقة أمدرمان وفي الخرطوم بحري، وفي الوقت الذي توشك أن تكمل سيطرتها على مقر الإذاعة والتلفزيون وبقية المناطق الأخرى الحيوية التي تجعل القيادة العسكرية قادرة على إعلان أمدرمان منطقة محررة، وهو أمر بات وشيكاً وفقاً للكثير من المصادر العسكرية، ومن واقع العمليات الميدانية الماثلة أمام الأعين. وفي هذا الصدد هناك أخبار أكدتها المصادر العسكرية عن أن «قوات الدعم السريع» الموجودة في مقر الإذاعة والتلفزيون منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) الماضي تريد الاستسلام وأن مفاوضات تجري معها حالياً لهذا الغرض بعد أن باتت محاصرة ومعزولة تماماً. فالجيش يريد تفادي اقتحام المقر بالقوة لو أمكن بسبب وجود عدد من العاملين الذين تحتفظ بهم «قوات الدعم السريع» على أنهم رهائن ودروع بشرية، ولا يستبعد أن يكون هناك تبرم من بعض ضباط الجيش الذين يريدون التعجيل بتسلُّم المقر بوصفه موقعاً حيوياً مهماً، ولأنهم يريدون أيضاً تحرير القوات الكبيرة التي تحاصر المكان لكي تنطلق نحو مهام أخرى.

على أي حال الجيش السوداني ليس معصوماً من الخلافات وحدوث تباينات لا سيما في وقت يشهد فيه البلد حرباً ضروساً وظروفاً بالغة الدقة والتعقيد في ساحة معارك وعمليات في مساحة تزيد على نصف مليون كيلومتر مربع. وليس سراً أن الكثير من الضباط والجنود يريدون تسريع وتيرة العمليات التي يرونها بطيئة، وقد رأينا وسمعنا في كثير من التسجيلات المصورة لجولات القائد العام الفريق عبد الفتاح البرهان والقادة الآخرين للحاميات العسكرية، جنوداً وضباطاً ينادون بـ«فك اللجام»، أي إطلاق يدهم للانطلاق في عمليات واسعة وهجمات شاملة. مثل هذه التباينات طبيعية والجيش السوداني ليس متفرداً في هذا المجال، فقد رأينا على سبيل المثال الكثير من التباينات تخرج إلى السطح في أوكرانيا حول مسار الحرب، لكن طبيعة تكوين الجيوش تجعلها تلتزم بالانضباط والهرمية في نهاية المطاف.

وكان لافتاً أن الفريق ياسر العطا خرج بتصريحات أول من أمس أكد فيها «وحدة القيادة، ووحدة القرار، ووحدة الهدف»، قائلاً إن القوات النظامية «تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد وفق تراتبية منتظمة». وختم بالتأكيد على أن «مطلوبات الانتصار كلها مكتملة» في أمدرمان والخرطوم بحري وولاية الجزيرة ومنها إلى كردفان، وبعدها الترتيب للتوجه إلى دارفور.

الحرب تدخل منعطفاً مهماً لا سيما في محاور العمليات في الخرطوم بمدنها الثلاث، وما يحدث على صعيد قطع الاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت في أجزاء واسعة من البلاد، لا يمكن فصله عما يحدث من تحولات وتطورات في ميدان المعارك.

وفي هذا التوقيت أيضاً يكون متوقعاً أن تزداد الشائعات ومحاولات خلق البلبلة، لأن ذلك جزء من الحرب الإعلامية والنفسية التي تخصص لها إدارات وميزانيات وتعطى أهمية خاصة، وهو ليس بالأمر الجديد في الحروب، ناهيك في عصر العولمة وثورة الاتصالات وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي.

كل هذا يعيدنا مرة أخرى للحديث المتكرر بين السودانيين عن ضعف إعلام الجيش والتفوق الواضح لإعلام «الدعم السريع» وهو ما ظهر مجدداً في زوبعة اليومين الماضيين، ويبقى مثار تساؤلات وحيرة الكثيرين. فكسب الحروب الإعلامية إذا كان مهماً في حروب الماضي، فإنه يعد أكثر أهمية في هذا العصر... وفي هذا المنعطف من حرب السودان.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان حرب على هامش الحرب السودان حرب على هامش الحرب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab