السودان مفاوضات أو لا مفاوضات

السودان... مفاوضات أو لا مفاوضات!

السودان... مفاوضات أو لا مفاوضات!

 العرب اليوم -

السودان مفاوضات أو لا مفاوضات

بقلم : عثمان ميرغني

 

بعد القصص المروعة عن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها «قوات الدعم السريع»، قبل إخراجها من ولاية الجزيرة، يعيش السودانيون هذه الأيام صدمة الانتهاكات التي حدثت في الخرطوم قبل تحريرها، وجرى توثيقها في مقاطع فيديو متداولة على نطاق واسع هذه الأيام.

بقايا جثث محترقة داخل حاويات ضخمة. أسرى ماتوا عطشاً بعد حجزهم في غرفة إحدى المدارس وإغلاقهم داخلها. آخرون عثر على جثثهم مقيدة داخل حمام منزل حُبِسوا داخله وتُركوا على ذلك الحال لزمن غير معروف. قبور داخل البيوت، وفي بعض الشوارع، لأن مجندي «الدعم السريع» منعوا الناس من الخروج لدفنها في المقابر.

أسرى حررهم الجيش من المنازل والمعسكرات التي حُوّلت إلى معتقلات عشوائية تحدثوا عن التعذيب والتنكيل والحرمان من الطعام؛ فمات بعضهم، ولم يُسمَح لأحد بدفنهم. ظهر الناجون في حال يُرثى لها، وبعضهم ليسوا أكثر من هياكل عظمية، فتعذر إسعافهم وإنقاذهم، وماتوا بعد أيام قليلة من إنهاء أَسْرهم.

مع الصدمة من هذه الممارسات وقصص الانتهاكات التي تتردد من دارفور إلى الجزيرة والخرطوم ومناطق أخرى، أصبحت هناك هوة شاسعة بين «قوات الدعم السريع» وغالبية الشعب السوداني. هوة يصعب ردمها. والنتيجة هي أن هناك واقعاً جديداً تشكل في المشهد السوداني باتت معه غالبية مقدَّرة من الناس تقف في ناحية لا ترى في «الدعم السريع» سوى ممارساته التي تستهدف المواطن في دياره وممتلكاته وأعراضه. وبالتالي لا ترى إمكانية للتعايش معه.

الانتهاكات الواسعة كانت أيضاً سبباً في انضمام عدد كبير من الرجال والشباب لصفوف المقاومة الشعبية والمستنفرين الذين يقاتلون إلى جانب الجيش؛ ما أسهم أيضاً في تغيير المعادلات في المعركة التي يراها كثيرون دفاعية لحماية الممتلكات والأعراض، ووجودية لحماية السودان من مؤامرة داخلية وخارجية كبيرة.

ضمن هذا المشهد فإن الجيش السوداني، بعدما كان أكثر انفتاحاً على مسألة المفاوضات لنحو 18 شهراً من الحرب، أصبح موقفه اليوم متشدداً ورافضاً لها؛ ففي كل الخطابات التي سمعها الناس، منذ نهاية العام الماضي وحتى اليوم من الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق شمس الدين كباشي، ومساعده الفريق ياسر العطا، ومعهم قيادات أخرى في الجيش ومجلس السيادة، كان الموقف هو أن لا مفاوضات ولا هدنة، وأن «قوات الدعم السريع» إذا أرادت الحل فإن عليها تسليم سلاحها والتوجُّه إلى معسكرات محددة. التقدم الميداني الكبير والمتسارع الذي حققه الجيش وحلفاؤه منذ انتقالهم من الدفاع إلى الهجوم في سبتمبر (أيلول) الماضي، كان سبباً في هذا التحول، مثلما كانت انتهاكات «الدعم السريع» ضد المواطنين، والتدمير الواسع والممنهج الذي أحدثته في الممتلكات والمؤسسات والبنى التحتية عاملاً آخر في تغير المزاج العام وتبني خطاب متشدد إزاء «قوات الدعم السريع».

هناك بالطبع من يحاولون، لحساباتهم الخاصة، إنقاذ ما يمكن إنقاذه لـ«الدعم السريع» وتبرير هزائمها الأخيرة؛ بالحديث تارة عن أن هذه القوات انسحبت تكتيكياً من الخرطوم، وتارة عن وجود مفاوضات سرية بينها وبين الجيش للتوصُّل إلى صفقة تنهي الحرب. هؤلاء لا يقدمون حججاً منطقية تدعم أقوالهم، ولا يفصحون بأي تفصيل عن رؤيتهم لمستقبل ودور «قوات الدعم السريع»؛ فهل بعد كل ما ارتكبته هذه القوات يمكن إعطاؤها دوراً في أي مشهد قادم؟ وهل يمكن استيعابها في الجيش الوطني «المهني» الواحد الذي يُفترض أن يكون من بين أهداف وخطط مرحلة ما بعد الحرب؟ وهل أن منحها أي دور مستقبلي سيعني نهاية الحروب في السودان، أم أنه سيشجع آخرين على تكرار تجربتها بكل مآسيها؟

الخطابان الأخيران للبرهان وحميدتي، مطلع هذا الأسبوع، كانا بمثابة التأكيد على عدم وجود مفاوضات، ومؤشراً على أن الفترة المقبلة ستشهد تصعيداً في وتيرة العمليات العسكرية وانتقال المعارك من الخرطوم إلى دارفور وكردفان، آخر معاقل انتشار «قوات الدعم السريع» وحلفائها.

هناك الكثير من المؤشرات أيضاً على أن أطرافاً عديدة في الداخل وصلت إلى قناعة بأنه لم يعد وارداً الآن العودة إلى أي مفاوضات تعطي «الدعم السريع» دوراً عسكرياً أو سياسياً في المشهد السوداني بالمرحلة المقبلة. وأي مفاوضات إن حدثت في هذه الظروف، فإنها ستكون على شروط تسليم العتاد، وتسريح هذه القوات. وحتى في صيغة كهذه، فقد أوضح الفريق البرهان في خطاباته الأخيرة أنه لا يمكن إسقاط الحق العام في المحاسبة عن الدمار والقتل والاغتصاب وكافة الجرائم البشعة التي ارتُكبت في حق المواطن والبلد ومنشآته الحيوية. هذا الموقف لا يعبر عن رأي قيادات الجيش فحسب، بل عن المزاج السائد وسط قطاعات كبيرة من الشعب السوداني الذي عانى معاناة غير مسبوقة في هذه الحرب، وسيخرج منها بكثير من الدروس، والعِبر، والوعي لأهمية عدم تكرار الحلول المجتزأة التي تراعي حسابات السياسة، وتعيد إنتاج الأزمات والحروب مستقبلاً.

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان مفاوضات أو لا مفاوضات السودان مفاوضات أو لا مفاوضات



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 05:07 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مقتل وإصابة 4 جنود إسرائيليين في كمين شمالي غزة
 العرب اليوم - مقتل وإصابة 4 جنود إسرائيليين في كمين شمالي غزة

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab