السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام

السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!

السودان... انتصار مدني وفتنة الانتقام!

 العرب اليوم -

السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام

بقلم : عثمان ميرغني

«العين بالعين... تجعل العالم كله أعمى». تذكرت هذه العبارة المنسوبة للمهاتما غاندي خلال متابعتي لبعض الأحداث التي وقعت في ولاية الجزيرة وسط السودان، وكادت تغطي تماماً على أجواء الفرح العارم بين السودانيين، أو فلنقل بين أكثريتهم الساحقة، بعد الانتصار الذي حققته القوات المسلحة ومَن يقاتل في صفوفها من القوات المشتركة والمستنفرين، باستعادة مدينة مدني، «صرة السودان» ومعها الكثير من مناطق الولاية التي كانت تحت سيطرة «قوات الدعم السريع» لنحو عام ذاقت خلاله شتى صنوف المعاناة والانتهاكات الجسيمة.

في خضم أجواء الفرح، انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تصور مناظر بشعة وصادمة لعمليات تصفية لأشخاص بالزي المدني على أيدي مسلحين بعضهم بزي القوات المسلحة، والبعض الآخر من المستنفرين. صحيح أن هذه الجرائم والموثق منها توثيقاً لا يقبل الشك، كانت محدودة، لكن أثرها كان كبيراً، وضررها بليغاً. فالسودانيون بطبعهم ينفرون من القسوة التي ظهرت في المقاطع التي سجلت تصفية أشخاص عزل بشكل فوري وانتقامي بالإعدام بالرصاص، أو بالذبح، أو بالتعذيب والإهانة ثم الرمي في النهر واتباع ذلك بإطلاق زخات من الرصاص.

إضافة إلى طبيعة الجرائم المروعة، كان مزعجاً أيضاً ما جرى تداوله، وتضخيمه في بعض الأحيان، عن استهداف سكان «الكنابي» في ولاية الجزيرة، وربط ذلك بدوافع عرقية. فقد أوردت بعض التقارير أن نحو 13 شخصاً قُتلوا على يد مسلحين في «كمبو طيبة»، وفسر الأمر على أنه بدوافع عرقية وجهوية، وهو أمر يطرق على وتر حساس يستغله الساعون لتأجيج خطاب العنصرية والجهوية والكراهية. والكنابي (مفردها كمبو بمعنى المعسكر) هي مناطق فقيرة يسكنها بالأساس متحدرون من غرب السودان وتحديداً من إقليم دارفور، استقروا في ولاية الجزيرة وعملوا بالزراعة وصاروا جزءاً من مكوناتها. وقد استغل وضعهم أحياناً لإثارة المشاكل الجهوية وتأجيج خطاب الكراهية، لا سيما إبان هذه الحرب. فبينما سعت بعض الأطراف للاصطياد في الماء العكر بتضخيم ما ورد عن الجريمة التي ارتكبت في «كمبو طيبة»، صدرت بيانات وتصريحات أخرى تنفي وقوع استهداف واسع أو ممنهج لسكان الكنابي، وتحذر من محاولات زرع الفتن وإثارة الكراهية.

الواضح لكثير من المتابعين أن الأحداث التي وقعت بعد تحرير مدني طغى عليها دافع الانتقام نتيجة الانتهاكات الواسعة التي حدثت على أيدي «قوات الدعم السريع» منذ اجتياحها ولاية الجزيرة ولا تزال مستمرة في مناطق وجودها. فهناك عدد من سكان الكنابي وغيرهم من الأهالي انضموا إلى «قوات الدعم السريع» وشاركوا في انتهاكاتها، أو عملوا مرشدين لها، أو قاموا بجرائم الاعتداء على البيوت والمحلات التجارية ونهبوها. لكن في مقابل هؤلاء هناك أيضاً أعداد من سكان الكنابي الذين شاركوا ضمن مستنفري أبناء الجزيرة الذين انضموا إلى صفوف القوات المسلحة وقاتلوا لاستعادة مناطقهم ودفاعاً عن مناطق أخرى.

يُحمد لقيادة الجيش أنها تحركت سريعاً لإدانة هذه الأحداث ومرتكبيها وتعهدت بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. كما أن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، حرص على التشديد على رفض سياسة الانتقام وأخذ الحقوق باليد، قائلاً إن كل متهم أو مشتبه يثبت تورطه «في دعم الميليشيا المتمردة» سيقدم لمحاكمة عادلة.

المهم الآن أن يتحرّك الجيش فعلاً لمحاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات لأنه قوة نظامية وليس ميليشيا، كما قال البرهان، وبالتالي لديه مسؤولية في تطبيق قوانينه والالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية. وما يضيف من أعبائه أن هناك قوات وكتائب غير نظامية، وأعداداً من المستنفرين، يقاتلون في صفوفه، وهؤلاء قد يتصرفون بنهج مختلف خارج عن أسس الانضباط، وسبق أن صدرت من بعضهم تجاوزات شكا منها مواطنون، ما يعني أن هناك ضرورة لمبدأ المحاسبة حتى لا تنتشر أي مظاهر فوضى، أو يعتقد آخرون أنه يمكنهم أخذ حقوقهم بأيديهم والانتقام جراء ما أصابهم ولحق بأهلهم من انتهاكات «قوات الدعم السريع».

في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها السودان، والاستقطاب الشديد الذي أحدثته الحرب، هناك أهمية أيضاً لمحاربة خطاب الكراهية ومحاولة إثارة الفتن، والمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع. فالذين يعتقدون أنهم يسجلون نقاطاً سياسية بتضخيم حادثة في الكنابي واستخدامها للتأجيج وإثارة نعرات عنصرية أو جهوية، إنما يغرسون خنجراً آخر في خاصرة البلد الممتحن بالجراحات والآلام، ولا يحتاج إلى المزيد.

هذه الحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وإذا لم يراعِ البعض أن يجعل للصراع سقفاً لا يتجاوزه، وهو الوطن والحفاظ على تماسكه، والابتعاد عن كل ما يضعف وحدته، فإن هذه الحرب لن تكون آخر حروب السودان على الرغم من الكلام الإنشائي الذي يردده البعض ويفعل عكسه.

arabstoday

GMT 09:07 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

قوس الحلول

GMT 09:06 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة أمام حماس

GMT 09:04 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

فراغ القوة فى سوريا.. نظرية تبعث من جديد

GMT 09:03 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

نكتة بوش ونصر غزة!

GMT 09:01 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

وصول عون للرئاسة ينعش لبنان والمنطقة

GMT 09:00 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

نار سوريا المرغوبة!

GMT 08:57 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

هبّت رياح ثورة «17 تشرين»!

GMT 08:56 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

لعنة بئر كليوباترا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام السودان انتصار مدني وفتنة الانتقام



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:47 2025 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

ليلى علوي تُصدم بعد أسبوعين من عرض "المستريحة"
 العرب اليوم - ليلى علوي تُصدم بعد أسبوعين من عرض "المستريحة"

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 12:08 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مصرع شخصين بسبب انهيار جليدي بجنوب شرق فرنسا

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

زلزال جديد بقوة 4.3 درجة يضرب إثيوبيا

GMT 03:15 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

السلطات الأميركية تطالب بإخلاء 85 ألف شخص في لوس أنجلوس

GMT 03:00 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تفعيل حالة التأهب الجوي في 10 مقاطعات أوكرانية

GMT 11:43 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لوهافر يعلن رسميا ضم أحمد حسن كوكا لنهاية الموسم الحالى

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

بلو أوريجين تؤجل إطلاق صاروخها الجديد لمشكلة فنية

GMT 03:06 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

مقتل 8 أشخاص بسبب تفشي فيروس ماربورغ في تنزانيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab