ماذا تبقى للسودان من «ربيعه»

ماذا تبقى للسودان من «ربيعه»؟!

ماذا تبقى للسودان من «ربيعه»؟!

 العرب اليوم -

ماذا تبقى للسودان من «ربيعه»

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

تتداخل هذه الأيام أكثر من ذكرى في السودان، ما يجعل شهر أبريل (نيسان) مرتبطاً بأحداث فارقة تركت بصماتها على مسيرة البلد وحياة أهله، من انتفاضة أبريل 1985 إلى بلوغ ثورة 2018 ذروتها في اعتصام القيادة، ثم إطاحة الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، وانتهاء بالذكرى الأولى لحرب 15 أبريل.

التداخل الذي حدث بين الثورة الأخيرة والحرب الراهنة، يعني مشاعر متضاربة بين الناس في هذا الشهر، وإن كانت مأساة الحرب وتداعياتها على البلد وأهله تبقى هي الطاغية، ولن ترحل بسهولة من الذاكرة السودانية الموجوعة.

أين أصبحت الثورة؟

بعد خمس سنوات لا تبدو الثورة السودانية في تعثرها مختلفة عن ثورات «الربيع العربي» الأخرى، بل إنها انضمت إلى نادي الدول الأكثر بؤساً التي انتهت ثوراتها في محطة الحرب. لا حرية، ولا سلام، ولا عدالة، بل حرب طاحنة، عمقت الخلافات والجراحات. دمرت البلاد ودفعت بملايين السودانيين إلى الشتات في الداخل والخارج، ووضعت أكثر من ثلثي السكان على حافة الفاقة والجوع.

حتى في ظل هذا المشهد البائس ترى من لا يزال يحاول المتاجرة بالثورة وشعاراتها. فمن المضحكات المبكيات أن ترى أن من قتل الشباب في انتفاضة سبتمبر (أيلول) 2013، واستخدم أداة لمحاولة قمع ثورة 2018 في بداياتها، وشارك في مذبحة فض اعتصام القيادة، يتاجر اليوم باسم الثورة، ويقول إنه يعمل لتحقيق أهدافها. طرف ارتكب الإبادة العنصرية في دارفور التي كان شباب الثورة يهتفون لأجلها «يا العنصري المغرور... كل البلد دارفور»، يأتي اليوم ليقول إنه المدافع عن أهداف الثورة، والرافع لراياتها، والمقاتل من أجل مظلومي الهامش والحرية والعدالة. هؤلاء واهمون إذ يحسبون أنهم يستغفلون الناس بالحديث عن الثورة، وكأنهم هم صناعها وأملها في تحقيق الديمقراطية، بينما الواقع يشهد على حجم ما ارتكبوه من انتهاكات، وما أحدثوه من دمار.

من المضحكات المبكيات أيضاً أن ترى أن من لم يشارك في الثورة، ولم يُعرف عنه أي نضال من أجلها عندما كان النظام السابق في أوج قوته، ولم تسمع له صوتاً أو ترى له حراكاً عندما كان شباب وشابات الثورة يتصدون لقمع أجهزة نظام البشير في الميادين والجامعات، يملأ الدنيا صراخاً اليوم، وكأنه من صنع الثورة، وتقدم صفوفها.

كثيرون لم يخرجوا في مواكب الثورة إلا بعد أن أيقنوا انتصارها وشاهدوا النظام السابق يترنح، فسارعوا للانضمام إلى مواكب الاحتفالات، وملأوا الدنيا ضجيجاً بعدها، وأصبحوا الأعلى صوتاً. لا تعرف هل تضحك أم تبكي عندما تسمعهم يجتهدون في استخدام اسم الثورة في كل جملة ينطقونها. هؤلاء المتاجرون بالثورة، أصبحوا عقبة بمزايداتهم، وأسهموا في تأجيج الخلافات، والمماحكات، التي عطلت الثورة، وانتهت إلى إشعال الحرب.

أين شباب الثورة الذين كانوا وقودها الحقيقي وبذلوا التضحيات من أجلها؟

شباب الثورة تشتتوا مع أهاليهم بسبب الحرب. توقفت دراستهم، وكُبحت طموحاتهم، وعُطلت أحلامهم، وبات مستقبلهم في مهب الريح. الأولوية لهؤلاء أن تنتهي الحرب، وتعود الجامعات والمدارس، وتستأنف الحياة دورتها الطبيعية. ضاعت أحلامهم في ثورتهم التي وئدت بسبب صراعات من قفزوا لتصدر المشهد والتنازع على كعكة السلطة.

كثيرون ممن يزايدون باسم الثورة كانوا سبباً في وأدها. أحزاب كان بعضها يريد فترة انتقالية طويلة، لأنه يرى أن انتخابات مبكرة لن تمنحه حصة في السلطة، ولا مقعداً على كراسيها. خذلوا الثورة عندما سارعوا لتوقيع اتفاق شراكة مع المكون العسكري في الوثيقة الدستورية، ثم خرقوا الوثيقة مرة ثانية عندما هرعوا لتقلد مناصب في الحكومة، وعندما أجلوا تشكيل مجلس تشريعي كان يفترض أن يكون رقيباً على السلطة، ويوسع دائرة مشاركة قوى الثورة وشبابها. وافقوا بعد ذلك على تمديد الفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام.

الافتقاد للعقلانية والمرونة السياسية، جعل القوى المختلفة تنخرط في صراع عدمي إقصائي حرف الثورة عن مقاصدها، وأدى إلى إضعافها، وأسهم في أجواء الشحن التي هيأت الأجواء لاشتعال الحرب. المحزن أن التجربة القاسية لم يتعلم منها كثيرون ممن يتصدرون المشهد، فالصراعات لا تزال محتدمة، والاستقطاب على أشده، والخطاب الإقصائي هو الأعلى.

السودان لا يحتاج في هذه اللحظة إلى شعارات تتاجر بالثورة، بل يحتاج وقفة شجاعة وجرأة تنطلق من أن الأولوية عند الناس اليوم هي الحرب وتداعياتها ومخاطرها المتزايدة، وأن المطلوب الآن الانتقال إلى محطة أخرى حتى لا يضيع السودان. القوى المختلفة، بما فيها الحرية والتغيير وتنسيقية القوى المدنية تحتاج إلى مراجعة مواقفها، وهو أمر لمسته مذكرة الإصلاح المقدمة من حزب الأمة وبشكل خاص فيما يتعلق بالموقف من الحرب. وكلما تأخرت هذه المراجعة، زادت التعقيدات وتقلصت فرص التوافق على مشروع وطني ينقذ البلد من مصير قاتم، وصراعات لا تنتهي.

يقول الشاعر والكاتب والفيلسوف الفرنسي بول فاليري: «أفضل وسيلة لتحقيق أحلامك هي أن تستيقظ...»، والسودانيون لا شك قد استيقظوا بقسوة على واقع جديد مع هذه الحرب التي طغت على ما تبقى من أحلام ثورتهم، وغيّرت أولوياتهم، وفرضت معادلات جديدة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تبقى للسودان من «ربيعه» ماذا تبقى للسودان من «ربيعه»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab