ما حكاية الطريق رقم 749 في غزة، وهل له علاقة بسيناريوهات «اليوم التالي» التي تنوى إسرائيل تنفيذها، حينما ينتهي عدوانها على قطاع غزة المستمر منذ 7 أكتوبر الماضي؟.
في الأيام الماضية حفلت العديد من وسائل الإعلام العالمية الكبرى خصوصاً الـ سي إن إن، والـ بي بي سي وكذلك الصحف الإسرائيلية، بتقارير وتحقيقات مصحوبة بصور للأقمار الصناعية، خلاصتها أن القوات الإسرائيلية أنهت بناء طريق رئيسي جديد يبدأ من الشرق إلى الغرب ويفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه.
وقد يسأل البعض: وما علاقة شق طريق جديد بسيناريوهات اليوم التالي في غزة؟!.
الإجابة في رأي العديد من المتابعين والمراقبين، بل ومن متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية، يمكن أن تقودنا إلى الإجابة.
لنعرف أولاً طبيعة هذا الطريق ثم نحاول فهم أهدافه.
الطريق طبقاً لتقرير أعدته القناة الإسرائيلية رقم 14 يحمل اسم الطريق السريع 749. هو يبدأ عند السور الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل بالقرب من كييوتس ناحال عوز، ويعبر قطاع غزة لينتهي بالقرب من الساحل غرباً، ويمتد عبر شمال القطاع وتقع خلفه المناطق الوسطى والجنوبية.
الطريق الأوسع في غزة ويتقاطع مع طريقي صلاح الدين والرشيد، وهو الوحيد الذي يمتد دون انقطاع في جميع أنحاء غزة.
وطبقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية التي نشرها موقع الـ بي بي سي، فإن الجيش الإسرائيلي بنى خمسة كيلومترات لكي يربط الطرق التي لم تكن متصلة سابقاً. والجزء الأول أُنشئ أواخر أكتوبر الماضي، وهو يقع شرق غزة. إسرائيل اختارت هذا المكان تحديداً في منطقة لا توجد بها مبانٍ ومنشآت كثيرة.
إضافة إلى الكثافة السكانية المنخفضة مقارنة ببقية مناطق غزة المكتظة بالبشر، وهذا الطريق يقع أسفل طريق مؤقت ومتعرج استخدمه الجيش الإسرائيلي للانتقال من شرق غزة إلى غربها.
نعود للسؤال إلى أهمية وخطورة هذا الطريق؟
طبقاً للتصريحات الرسمية الإسرائيلية فهو مخصص للإمدادات العسكرية للقوات الموجودة في القطاع.
العميد متقاعد جاكوب ناجل، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قال إن الهدف من الطريق الجديد توفير خدمة الوصول السريع لقوات الأمن الإسرائيلية مع أي تهديدات قادمة.
لكن عدداً كبيراً من الخبراء يقولون إن الطريق سيستخدم كحاجز لفصل شمال غزة عن جنوبها، والأهم منع الفلسطينيين الذين نزحوا جنوباً من العودة إلى بيوتهم في شمال القطاع. أما التفسير الأخطر فهو أن الطريق قد يكون واحداً من أهم الإشارات للدلالة على وجود خطة إسرائيلية للبقاء في غزة حتى بعد انتهاء الأعمال العسكرية الحالية.
هذا التفسير ليس من باب الهواجس والظنون الفلسطينية والعربية، لكن نتانياهو قال منتصف الشهر الماضي، حينما ضغط عليه البيت الأبيض لإعلان رؤيته لليوم التالي، إن إسرائيل سوف تستمر في السيطرة على الأمن في قطاع غزة إلى أجل غير مسمى.
وهذا المعنى السياسي يتطابق مع تصريحات لبعض قادة الجيش الإسرائيلي، بأنهم يريدون عبر هذا الطريق الحصول على موطئ قدم عملياتي لتسهيل حركة القوات ونقل المعدات ما بين إسرائيل وغزة.
الخبراء العسكريون يقولون إن طبيعة المواد المصنوعة منها الطريق لا تلائم فقط سير السيارات العادية بل المركبات المجنزرة، وبالتالي يمكن استنتاج أن هذا الطريق سيساعد الجيش الإسرائيلي في الدخول والخروج من القطاع، باعتبار أن إسرائيل تعتقد أنها سوف تتولى مسؤولية الأمن لفترات طويلة مقبلة في غزة، وبالتالي تسهيل السيطرة اللوجستية والعسكرية على المنطقة.
وبالتالي فإن الطريق الذي سيفصل عملياً مدينة غزة عن جنوب القطاع، سيتحول إلى نافذة مهمة لمراقبة ورصد أي حركات فلسطينية، كما أنه يتيح للجيش الإسرائيلي مجالات مفتوحة إلى حد كبير لإطلاق النار.
وإضافة للجوانب العسكرية لهذا الطريق، فإن الهدف الأساسي والسياسي هو أن الجيش الإسرائيلي ينوي البقاء لفترات طويلة في القطاع، وسيسعى بكل الطرق لمنع عودة الفلسطينيين لشمال القطاع.
وبالتالي تحويل مناطق الشمال إلى شريط عازل ما بين إسرائيل وبقية مناطق القطاع، إضافة لأحكام السيطرة على مجمل القطاع أمنياً، وهو ما يعني في التحليل الأخير احتلال القطاع عسكرياً مع البحث عن قيادات فلسطينية لإدارته محلياً وإدارياً فقط.
هذه هي النوايا الإسرائيلية من وراء إنشاء هذا الطريق، لكن السؤال المهم هو: هل سيسمح الفلسطينيون وبقية العالم لإسرائيل بتنفيذ هذا المخطط؟.