بقلم - عماد الدين حسين
يوم الخميس الماضى شهدت القاهرة عاصفة ترابية شديدة جدا، وكذلك العديد من مناطق الجمهورية خصوصا مدن القناة وطارت أشجار ونخيل وسقطت على بشر وسيارات. ذروة هذه العاصفة أنها أدت إلى انهيار لوحة أو لافتة إعلانات ضخمة مثبتة على كوبرى ٦ أكتوبر عند عزبة أبوحشيش قرب حدائق القبة. اللافتة الحديدية سقطت على سيارتين ودراجة بخارية ما أدى إلى وفاة شخص وإصابة أربعة آخرين وتكسير لأعمدة الإنارة، إضافة إلى إغلاق الكوبرى لوقت طويل، وتعطل مصالح الناس.
لافتة الإعلانات الضخمة تتبع إحدى الشركات الخاصة. وعقب الحادث أمر اللواء خالد عبدالعال محافظ القاهرة بعد أن تفقد مكان الحادث بتشكيل لجنة لمراجعة جميع اللوحات الإعلانية المثبتة على شاسيهات لبيان مدى تأثرها من العاصفة القوية.
تفاصيل الحادث تابعها كثيرون، لكن ما لفت نظرى فى بيان النيابة العامة مساء يوم الجمعة الماضى قول مدير الإيرادات والإعلانات بحى حدائق القبة أن اللافتة التى تسببت فى الحادث منتهية الترخيص، وأن الجهة الإدارية حررت محضرا بمخالفتها فى فبراير الماضى وقدم صورة من ملفها.
النيابة قررت تشكيل لجنة هندسية من المحافظة لمعاينة المكان لمعرفة كل تفاصيل الحادث خصوصا مدى الالتزام بأعمال الصيانة، ومن المسئول عنها، وكذلك المسئول عن بقاء اللافتة بعد انتهاء ترخيصها.
بالطبع لا اعتراض على القدر، والعاصفة كانت شديدة فعلا وتسببت فى خسائر مادية كثيرة للعديد من المواطنين وللدولة بأكملها، لكن ما أنا بصدد مناقشته اليوم هو هذه الحالة المزرية لقطاع كبير فى المحليات والأحياء.
عبارة أن رخصة اللافتة منتهية الصلاحية أو مخالفة ليست جديدة ونسمعها عند كل كارثة من أول ضبط مبانٍ ومنشآت مخالفة، نهاية بانهيارها على رءوس ساكنيها وتسببها فى وفاة العشرات من الأبرياء.
حاولوا أن تتذكروا كم مرة سمعنا هذه العبارة أن المبنى والمنشأة أو اللافتة أو المشروع غير مرخص أو منتهى الصلاحية!.
فى معظم المبانى التى انهارت فوق رءوس سكانها كانت الجهات المحلية والهندسية فى الأحياء جاهزة بالعبارة الشهيرة وعباراتها صارت محفوظة لمعظمنا من قبيل: غير مرخص من الأساس، أو مرخص لكن صدر له قرار إزالة ولم ينفذ.
اليوم لا أتحدث فقط عن هذا الحادث الصعب، ولكن عن الفلسفة التى تجعل المسئولين عنه يفلتون من العقاب فى معظم الأحيان.
حينما تنتهى رخصة لافتة فإن مسئول الحى يحرر محضرا بالواقعة ثم يضع المخالفة فى ملف ورقى قانونى يمكن أن يبرزه فى حال وقوع أى مصيبة.
والسؤال: إذا كان الروتين والثغرات القانونية تجعل مثل هذا الموظف يفلت من العقاب، فمن هو المسئول عن استمرار المخالفة سواء كانت تخص لافتة إعلانية مثبتة على قاعدة حديدية، أو مبنى مخالف أو صدر له قرار إزالة؟! أليس من المنطقى أن هناك إدارات أخرى مسئولة عن متابعة تنفيذ تصحيح المخالفات وإزالتها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية؟!.
وهل هذا السيناريو نتيجة قلة موظفين أم تواطؤ وفساد وانعدام ضمير؟!
ننتظر من وزير الإدارة المحلية أن يصدر قرارات واضحة لكل المحافظات والأجهزة المحلية بسرعة حصر مثل هذه القنابل الموقوتة فى الشوارع، خصوصا أن شوارعنا صارت تمتلئ بكل أنواع اللافتات الإعلانية بصورة غير موجودة فى أى مكان به الحد الأدنى من النظام والانضباط. لكن هذا موضوع يستحق نقاشا مفصلا.
أتمنى أن تنتهى التحققات فى هذا الحادث لإحالة كل المتقاعسين والمهملين والمتهمين إلى إدانات واضحة علها تكون رادعة لغيرهم حتى يتوقف مسلسل الإهمال والإجرام بحق الأبرياء.
المتهم الحقيقى فى سقوط لافتة عزبة أبو حشيش ليس فقط العاصفة الترابية الشديدة، لكن جيش كبير من المهملين والمتقاعسين فى المحليات، وللأسف لا يبدو فى الأفق نهاية سريعة لجرائمهم.