بقلم : عماد الدين حسين
قلت فى هذا المكان أكثر من مرة وأكرر اليوم أن دونالد ترامب عنصرى وفاشى والغاية عنده تبرر الوسيلة.
واليوم وبعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، فلم أغير رأيى، بل أخشى أن العالم بأكمله قد يدفع ثمنا فادحا بسبب انتخابه، وترؤسه لأكبر وأقوى دولة عسكريا وتكنولوجيا واقتصاديا ونوويا.
ورغم ما سبق فإن هناك زاوية مهمة ينبغى أن نتوقف عندها فيما يتعلق بشخصية ترامب، وهى لا تتناقض مع كل الكلام الذى بدأت به هذا المقال.
هذه الزاوية هى إصرار وعناد وقوة عزيمة ترامب التى مكنته من العودة رئيسا، رغم أنه كان فى شهور قليلة مضت مهددا بدخول السجن فعليا فى تهم جنائية متعددة.
فى مايو الماضى أدين ترامب فى إحدى محاكم مانهاتن بنيويورك بتهمة الاحتيال، بسبب دفع المال لشراء صمت نجمة الأفلام الإباحية السابقة ستورمى دانيالز قبل أسابيع من انتخابه رئيسا فى المرة الأولى نهاية عام ٢٠١٦.
ترامب متهم أيضا بـ٣٤ تهمة جنائية. لكن فريقه القانونى نجح فى تأجيل المحاكمة وإصدار الحكم إلى ٢٦ نوفمبر المقبل، رهانا على أن فوز ترامب سيوقف تنفيذ الحكم، لأن وزارة العدل تحظر مقاضاة الرؤساء أثناء توليهم منصبهم.
ترامب تعهد بإقالة المدعى الخاص المستشار جاك سميث فى غضون ثانيتين من توليه الحكم، مما سيؤدى إلى إسقاط القضيتين الفيدراليتين المرفوعتين ضده.
ترامب متهم أيضا بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية السابقة عام ٢٠٢٠، وتشجيع أنصاره على اقتحام الكونجرس «هجوم الكابيتول» عقب خسارته أمام جو بايدن فى ٨ يناير ٢٠٢٠. إضافة إلى قضية أخرى خطيرة وهى اتهامه بسوء التعامل مع الوثائق السرية واحتفاظه بها فى منزله الخاص فى مارا لاغو فى أغسطس ٢٠٢٠.
كل التهم السابقة كانت كفيلة بأن تضع ترامب فى السجن لمدة تتراوح بين خمس إلى عشرين عاما، كما أنه دفع غرامات بمبالغ مالية ضخمة كانت كفيلة بأن تجعله يخسر معظم ثروته التى كونها من عمله كتاجر عقارات.
ترامب غامر بصورة واضحة ووقف وتصدى لكل هذه الاتهامات وخاض الانتخابات وتمكن من الفوز.
ما سبق هو أخطر تحدٍّ واجه ترامب، لكن ربما لا يدرك كثيرون أن أحد أخطر ما فعله ترامب هو أنه جعل الحزب الجمهورى يدور فى فلكه، بحيث صار حزب ترامب الخاص، وليس هذا الحزب الأمريكى العريق كممثل ليمين الوسط، واستطاع ترامب أن يحوله إلى اليمين الشعبوى المتطرف احيانا.
العديد من قادة الحزب حاولوا التصدى لترامب، لكنهم فشلوا، بعضهم انشق عليه مثل نائبه السابق مايك بنس وفشلوا أيضا، وبعضهم حاول منافسته على بطاقة ترشح الحزب للانتخابات، لكنه تفوق عليهم جميعا لدرجة أن أساتذة العلوم السياسية عادوا للحديث مرة أخرى عن عن نظرية «الترامبية السياسية».
الجانب الآخر من شخصية ترامب أنه عنيد، وتمكن من مواجهة غالبية وسائل الإعلام التقليدية وكل وسائل التواصل الاجتماعى، ورغم قوة وعنفوان وتأثير الإعلام الأمريكى بكل تنوعاته، إلا أن ترامب لم يتأثر ولم يسقط، بل قام بتأسيس منصة تواصل اجتماعى جديدة هى «تروث» بعد أن حظرت منصة تويتر حسابه، والآن فإن المالك الجديد للمنصة إيلون ماسك صار أقرب المقربين والداعمين لترامب الآن.
أفلت ترامب من محاولتى اغتيال قبل شهور من الانتخابات ولم يجزع أو يضعف بل ربما ساعده ذلك فى استعادة شعبيته.
الأخطر من كل ما سبق هو التقارير الكثيرة والتى تحدثت عن أن الدولة العميقة فى الولايات المتحدة حاولت بوسائل كثيرة إبعاد ترامب عن المشهد السياسى، باعتبار أنه يهدد مصالح المجمع العسكرى الصناعى، وصورة أمريكا وسمعتها التقليدية، ورغم ذلك لم يسقط ترامب ونجح فى العودة للبيت الأبيض بفوز انتخابى كاسح خلافا لعدد كبير من استطلاعات الرأى.
مرة أخرى وحتى لا يسىء البعض فهم معنى هذا المقال فإننى أفرق تماما بين خطر ترامب ليس فقط على العرب والمسلمين لانحيازه الصارخ لإسرائيل، بل وخطره على الإنسانية بأكملها، وبين محاولة قراءة موضوعية فى شخصية هذا «المقاتل العنيد» الذى تحدى الجميع ونجح فى العودة للبيت الأبيض. والخوف الأكبر أن كل هذه الصفات السابقة ستحولة الى ديكتاتور بما يجعله خطرا على الإنسانية بأكملها.