بقلم - عماد الدين حسين
مساء الأحد الماضى أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن أن جائحة كورونا قد انتهت. هذا الإعلان المهم نقلته العديد من وسائل الإعلام العالمية الكبرى نقلا عن مقابلة لبايدن مع شبكة «سى بى إس» تم تسجيلها مساء الخميس الماضى وبثها مساء الأحد الماضى.
السؤال: هل انتهت كورونا وكوابيسها حقا إلى الأبد، أم أنها مرشحة للعودة مرة أخرى بصورتها المعروفة، أم ستترك آثارها الجانبية، وهل من الحكمة أن يعلن الرئيس الأمريكى ذلك من دون استشارة منظمة الصحة العالمية وخبراء الصحة العامة فى بلاده؟!
بايدن خلال المقابلة قال نصا: «الجائحة انتهت، وإذا لاحظتم فلم يعد أحد يرتدى الكمامات، ويبدو أن الجميع فى حالة جيدة».
المفارقة أن تصريح بايدن وحسب صحيفة بوليتكو كان مفاجئا لمسئولى الصحة فى أمريكا، ولم يكن مخططا إعلانه فى هذه المقابلة التليفزيونية!.
ما يعزز ذلك أن الحكومة الأمريكية ما تزال تصنف فيروس كورونا على أنه حالة طوارئ صحية عامة، وهو نفس تصنيف منظمة الصحة العالمية، التى تضيف عليها عبارة «وتثير قلقا دوليا»، رغم أن مدير منظمة الصحة العالمية الإثيوبى تيدروس أوهانوم جبريسوس، صرح الأسبوع الماضى بأن نهاية كورونا قد أصبحت وشيكة، وأن العالم لم يكن أبدا فى وضع أفضل لإنهاء الجائحة مما هو الآن. لكن الملاحظة المهمة أن المنظمة العالمية أصدرت بيانا واضحا ردا على كلام بايدن وقالت فيه نصا حسبما نقلت فضائية العربية: «جائحة كورونا لم تنته، وما تزال تمثل حالة طوارئ عالمية».
الاغرب ان بايدن تراجع عن كلامه امس الاربعاء وقال ان تصريحاته لم تكن في محلها وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام علي اداء الرئيس الامريكي المتخبط.
والأكثر غرابة أن بايدن الذى أعلن نهاية كورونا كان قد أصيب بها فى شهر يوليو الماضى وعولج بعقار باكسلوفيد، وفى نهاية أغسطس أصيبت زوجته جيل بالفيروس وعولجت بنفس العقار.
صحيح أن الشواهد على الأرض مشجعة ومنظمة الصحة العالمية تقول أن معدلات الوفيات تتراجع بانتظام، وهى الأدنى منذ شهر مارس الماضى، وصحيح أن المراكز الامريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عدلت توجيهاتها بكورونا مثل التباعد الاجتماعى وتدابير الحجر الصحى، لكن هذه المراكز نفسها ماتزال تؤكد أن بعض الأشخاص بما فى ذلك كبار السن ومن يعانون من نقص المناعة أو إعاقات وأمراض مزمنة هم الأكثر عرضة للإصابة بأعراض خطيرة نتيجة فيروس كورونا. وبالتالى فهم يحتاجون إلى المزيد من الاحيتطات والرعاية.
المؤكد أن خطورة فيروس كورونا تراجعت إلى حد كبير جدا مقارنة بالحالة الرهيبة التى عاشها العالم أجمع حينما انتشر الفيروس فى أوائل عام ٢٠٢.
والمؤكد أيضا أن غالبية بلدان العالم تراجعت عن غالبية الإجراءات الاحترازية، بما فيها ارتداء الكمامة، باستثناء بعض شركات الطيران الأوروبية التى تصر على ذلك وتمنع دخول أى راكب إلا إذا كان مرتديا الكمامة، وقد شاهدت ذلك بنفسى قبل أيام فى الطائرة المتجهة من القاهرة إلى برلين عبر فرانكفورت.
لكن ورغم كل ما سبق فإن بعض الخبراء يخشون أن تعود الجائحة قريبا فى صور مختلفة، أو على الأقل تستمر تداعياتها، بمعنى أن كل من أصيبوا بها قد يعانون من أعراضها لفترات مختلفة، حسب ظروفهم الصحية العامة وبالأخص حسب قوة مناعتهم.
الدرس المهم من وجهة نظرى هو أنه ورغم شراسة هذا الفيروس وما سببه من رعب للعالم أجمع، إلا أنه لفت أنظارنا إلى أهمية الرعاية الصحية الأولية على مستوى الدول والأفراد، وإلى ضرورة أن يهتم كل شخص قدر الإمكان بمبادئ الصحة العامة، من أول الوقاية نهاية بالأكل الصحى وممارسة الرياضة بأى شكل خصوصا المشى المتاح للجميع من دون تكلفة تذكر.
المفارقة أنه حينما كانت كورونا ترعب العالم كان معظمنا يعتقد أنه بعد زوالها وتلاشيها سوف تنتهى كل مشاكلنا ونعيش أفضل أوقاتنا، لكن المفأجاة المحزنة أن العالم استيقظ على كابوس رهيب اسمه الحرب الروسية الأوكرانية التى أدخلت معظم دول العالم فى نفق أزمة عالمية اقتصادية طاحنة، ويعتقد البعض أن آثارها ستكون أصعب كثيرا من كورونا وكل تحوراتها.
وقانا الله شر الفيروسات الطبيعية والأزمات العالمية.